تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واللام في " ليطمئن "متعلق بمحذوف، والتقدير: سألت ذلك إرادة طمأنينة القلب،لتزول عنه الخواطر التي تعرض للمستدل عن شيء بالسؤال عنه، وإلا فاليقين حاصل منه عليه السلام، ومتحقق سأل أو لم يسأل ().

قال القاسمي:) معناه ليزول عن قلبي الفكر في كيفية الحياة،لأني إذا شاهدتها سكن قلبي عن الجولان في كيفيتها المتخيلة، وتعينت عندي بالتصوير المشاهد) ().

وقال القرطبي: (والطمأنينة: اعتدال وسكون، فطمأنينة الأعضاء معروفة، وطمأنينة القلب: هي أن يسكن فكره في الشيء المعتقد. والفكر في صورة الإحياء غير محظور كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها، إذ هي فكر فيها عبر، فأراد الخليل أن يعاين فيذهب فكره في صورة الإحياء) ().

فمعنى الطمأنينة التي رامها الخليل حينئذ: سكون القلب عن الجولان في كيفيات الإحياء بظهور التصوير المشاهد لها عياناً. وعدم حصول هذه الطمأنينة قبل المشاهدة لا ينافي حصول الإيمان بالقدرة على الإحياء على أكمل الوجوه.

ولما كان مراد الخليل مشاهدة كيفية الإحياء عياناً أمره سبحانه أن يأخذ أربعة من الطير () فقال له: {فخذ أربعة من الطير} وأمره بأن يقطع تلك الطيور فقال: {فصرهن إليك}.

والصير: الشق، قاله الراغب ()، وذكر الزجاج أن أكثر أهل اللغة قالوا: معنى " صرهن إليك " أملهن واجمعهن إليك، وقال بعضهم: "صرهن إليك " إقطعهن ()، وعند أبي عبيدة أن المعنى: ضمهن إليك ثم اقطعهن ().

وفي الصحاح: (صرى بوله صرياً إذا قطعه ... وصريت الماء إذا استقيته ثم قطعته ... وصريت ما بينهم صريا أي فصلت. يقال: اختصمنا إلى الحاكم فصرى ما بيننا، أي قطع ما بيننا وفصل) (). وقال الفيروزبادي: (الصرة: الجماعة المنضم بعضهم إلى بعض، كأنهم صروا أي جمعوا في وعاء) ().

وجاء في لسان العرب أن صاره بمعنى أماله، وصار وجهه يصور أي أقبل به و {صرهن إليك} أي: وجههن ().

وفي " صرهن " قراءتان: بكسر الصاد وبضمها ().

وذكر الطبري عن بعض أهل اللغة أن قراءة الضم بمعنى وجههن، وقراءة الكسر بمعنى قطعهن ().

وذكر أيضاً: أن ضم الصاد من قول القائل: صرت إلى هذا الأمر إذا ملت إليه أصور صورا، ويقال: إني إليكم لأصور أي مشتاق مائل، ومعنى {فصرهن إليك} بالضم: اضممهن إليك، ووجههن نحوك، كما يقال: صر وجهك إلي أي أقبل به إلي، وعلى هذا يكون في الآية محذوف قد ترك ذكره استغناءً بدلالة الظاهر عليه، ويكون المعنى حينئذ: خذ أربعة من الطير، فصرهن إليك،ثم قطعهن،ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا،وأما " صرهن " بالكسر فمعناها: قطعهن. وأشار إلى أن كثيرا من أهل اللغة لا يعرفون فرقاً بين الضم والكسر، وأنهما لغتان إحداهما:صار يصور،والأخرى: صار يصير،وصرت الشيء أملته وقطعته ().

قال الفراء: (هما لغتان، فأما الضم فكثير ... وأما الكسر يفسر: معناها قطعهن، ويقال: وجههن) ().

وقال ابن منظور: (والمعروف أنهما لغتان بمعنى واحد وكلهم فسروا فصرهن أملهن، والكسر فسر بمعنى قطعهن) ().

وقد جاء عن السلف رحمهم الله تعالى ما يؤيد ذلك.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صرهن: شققهن (). وكذا قال الضحاك ()، وقال مجاهد وسعيد بن جبير والسدي () والربيع: قطعهن ومزقهن ().

ومما سبق يتبين أن معنى {فصرهن إليك} اضممهن إليك وأملهن واجمعهن، وقيل معناه قطعهن ().

ولذا لما أوثقهن الخليل عليه الصلاة و السلام ذبحهن، ثم قطعهن ونتف ريشهن، ومزقهن، وخلط بعضهن ببعض، ثم جزأهن كما أمره الله تعالى بقوله: {ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا} وجعل على كل جبل منهن جزءا ()، وتلك الجبال قيل أربعة أجبل، وقيل سبعة، وقيل غير ذلك ().ثم أمره الله عز وجل أن يدعوهن، فدعاهن، فجعل ينظر إلى الأجزاء من كل طائر من تلك الطيور يتصل بعضها ببعض والتحمت ببعضها، وعاد كل جزء إلى ما كان عليه قبل التقطيع، حتى قام كل طائر على حدته، وأتينه يمشين سعياً كما قال الله تعالى: {ثم ادعهن يأتينك سعيا} ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها عليه السلام، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {واعلم أن الله عزيز حكيم} أي عزيز لا يغلبه شيء ولا يمتنع عنه شيء وما شاء كان بلا ممانع لأنه القاهر لكل شيء،حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره ().

المبحث الثاني:

سبب سؤال الخليل عليه السلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير