في الآية الكريمة السابق ذكرها بيان أن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام سأل ربه سبحانه وتعالى أن يريه كيفية إحياء الموتى، وسبب سؤاله ذلك هو ما سنتناوله في هذا المبحث. وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى في ذلك أقوالاً إليك بيان أشهرها:
القول الأول:
كان السبب أن الخليل عليه السلام رأى دابة () قد تقسمتها السباع والطير، فسأل ربه أن يريه كيفية إحيائه إياها مع تفرق لحومها في بطون السباع والطيور، ليرى ذلك عيانا فيزداد يقينا برؤيته ذلك عيانا إلى علمه به خبرا فأراه الله ذلك ().
وقد ساق الطبري روايات عن السلف في ذلك منها:
ما أثر عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن خليل الله إبراهيم عليه السلام أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع فقال: {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} ().
وعن الضحاك قال: مر إبراهيم عليه السلام على دابة ميتة قد بليت وتقسمتها الرياح والسباع فقام ينظر فقال: سبحان الله كيف يحيي الله هذه، وقد علم أن الله قادر على ذلك فذلك قوله {رب أرني كيف تحيي الموتى} ().
القول الثاني:
كان سبب مسألته ربه ذلك المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين النمرود ().
وتلك المناظرة قد ذكرها الله في قوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} ().
قال ابن كثير: (ذكروا لسؤال إبراهيم عليه السلام أسباباً منها: أنه لما قال لنمرود: {ربي الذي يحيي ويميت} أحب أن يترقى من علم اليقين بذلك إلى عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدة، فقال: {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}) ().
وقد ورد أنه لما جرى بين إبراهيم عليه السلام وبين قومه ما جرى مما قصه الله في سورة الأنبياء () قال له النمرود: أرأيت إلهك هذا الذي تعبد، وتدعو إلى عبادته، وتذكر من قدرته ما تذكر ما هو؟ قال له إبراهيم عليه السلام: ربي الذي يحيي ويميت،فقال النمرود: أنا أحيي وأميت،فقال له إبراهيم عليه السلام: كيف تحيي وتميت؟ فقتل رجلاً وأطلق آخر. فقال إبراهيم عليه السلام:إن الله يحيى الميت، فقال النمرود هل عاينته؟ فلم يقدر أن يقول نعم، فانتقل إلى حجة أخرى، ثم قال بعد ذلك: {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} من غير شك في الله تعالى ذكره، ولا في قدرته، ولكنه أحب أن يعلم ذلك وتاق إليه قلبه فقال ليطمئن قلبي ().
القول الثالث:
كانت مسألته ربه ذلك عند البشارة التي أتته من الله سبحانه بأنه اتخذه خليلا، فسأل ربه أن يريه علامة على ذلك يطمئن قلبه بأنه قد اصطفاه لنفسه خليلا،ويكون ذلك مؤيدا لما عنده من اليقين ().
وقد جاء في " زاد المسير" أن إبراهيم عليه السلام لما بشر باتخاذ الله له خليلا سأل ربه ذلك السؤال ليعلم صحة البشارة. وهذا منسوب لابن مسعود، و ابن عباس رضي الله عنهما، وروي عن سعيد بن جبير أنه لما بشر بذلك قال: ما علامة ذلك؟ قال: أن يجيب الله دعاءك ويحيي الموتى بسؤالك فسأل هذا السؤال ().
وذكر الطبري في تفسيره والسيوطي في "الدر المنثور"رواية عن السدي مفادها: أن الله لما اتخذ إبراهيم خليلاً، وجاءه ملك الموت ليبشره بذلك طلب الخليل من ملك الموت أن يريه كيف يقبض أرواح العباد، فأخبره الملك أنه لا يطيق ذلك، فقال إبراهيم عليه السلام: بلى أطيق، فقال له: أعرض، فأعرض إبراهيم،ثم تمثل ملك الموت بالصورة المخيفة التي يتمثل بها عند قبض أرواح الكفار، فلما رآه إبراهيم عليه السلام غشي عليه ثم أفاق فتمثل له الملك بالصورة الحسنة التي يقبض فيها أرواح المؤمنين، ثم إن إبراهيم عليه السلام بعد ذهاب الملك أخذ يدعو ربه ويقول: رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك قال: أولم تؤمن قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي بخلولتك ().
القول الرابع:
سأل لأنه كان مشتاقاً ومحباً أن يرى ذلك.
ذكر ابن الجوزي: أن قلب الخليل كان متعلقا برؤية إحياء الموتى، فأراد أن يطمئن قلبه بالنظر، وقيل كانت نفسه تائقة إلى رؤية ذلك، وطالب الشيء قلق إلى أن يظفر بطلبته ().
القول الخامس:
¥