تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان سبب المسألة ليعلم هل يجيب الله دعاءه.

جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى {ولكن ليطمئن قلبي} يقول: لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك ().

القول السادس: سأل ذلك لتذهب عنه شدة الخوف ().

القول السابع: سأل من أجل أن يطمئن قلبه بأن قومه يعلمون أن الله يحيي الموتى ().

ومن المعلوم أن أقوام الأنبياء كثيراً ما يسألونهم، ويطلبون منهم أموراً باطلة تارة، وتارة حقا، كما سأل بنو إسرائيل موسى عليه السلام أن يريهم الله جهرة،وكما سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء كثيرة من مثل ذلك، فقد يكون إبراهيم عليه السلام سئل ذلك، فأراد أن يشاهدوه فيزول الإنكار عن قلوبهم ().

هذه أشهر الأقوال التي ذكرت في سبب سؤال الخليل عليه السلام لربه ذلك السؤال، ويرد عليها أمور:

1 – أن بعضها ورد مجهول النسبة فلا يعرف من قال به بل أورده بعض المفسرين بصيغة التمريض.

2 – ما ورد من روايات في ذلك منسوبة للسلف لا تخلو من ضعف في أسانيدها.

3 – هذه الأقوال – وخاصة المنسوبة للسلف- مأخوذة من الأخبار الإسرائيلية، وليس فيها شيء مرفوع إلى الصادق صلى الله عليه وسلم.

4 - يمكن أن يكون أحد تلك الأقوال هو الحق، ويمكن أن يكون سأل لسبب آخر لم يذكر، أو سأل بدون سبب، وليس في تقديم أحد الأقوال على غيره دليل صحيح يعتمد عليه.

وعلى كل حال، ولأي سبب سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه ذلك السؤال لا يعود نقص عليه من ذلك، ولا يقدح في عصمته عليه الصلاة والسلام.

الفصل الثاني

مصدر سؤال الخليل

المبحث الأول:

حجة من يثبت شك الخليل عليه السلام.

عرفنا فيما مضى معنى الآية الكريمة، ويرد على ظاهرها إشكال قد يتبادر إلى أذهان البعض، وهذا الإشكال هو: أن الخليل عليه الصلاة والسلام طلب من ربه أن يريه إحياء الموتى عيانا لكي يطمئن قلبه، فهل كان عليه السلام يشك في إحياء الموتى - وهو النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام - كما قد يفهم من ظاهر الآية؟

والجواب: أن العلماء اختلفوا في سؤال إبراهيم لربه هل صدر ذلك السؤال عن شك منه في قدرة الله على إحياء

الأموات أم لا؟ فذهب إلى القول بالشك البعض () وذهب إلى نفيه آخرون.

وفي هذا المبحث سنتناول بيان الأدلة التي اعتمد عليها من يقول إن الخليل شك في قدرة الله على إحياء الموتى، لأن الشيطان قذف ذلك في قلبه ()، فقد استدلوا على قولهم بالأدلة التالية:

1 – ظاهر الآية فقد سأل الخليل عليه السلام ربه أن يريه إحياء الموتى، وعلل رغبته تلك بأنه يريد الحصول على الاطمئنان.

2 – ما ورد من روايات تدل على ذلك ومنها:

ما رواه الطبري عن ابن زيد أن الخليل صلى الله عليه وسلم مر بحوت، نصفه في البر،ونصفه في البحر،فما كان منه في البحر فدواب البحر تأكله،وما كان منه في البر فالسباع ودواب البر تأكله، فقال له الخبيث: يا إبراهيم متى

يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟ فقال: يا رب أرني كيف تحيي الموتى {قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} ().

فالباعث على سؤال إبراهيم لربه ما دخل قلبه - مما يدخل قلوب البشر - من وساوس الشيطان، حيث قال له إبليس الخبيث ذلك.

وإلى هذا أشار ابن الجوزي بقوله: (سأل ذلك ليزيل عوارض الوسواس) ().

3 - أن بعض السلف جعل هذه الآية أرجى آية في كتاب الله.

روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما في القرآن عندي آية أرجي منها ().

وعن سعيد بن المسيب قال: اتعد عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يجتمعا قال: ونحن يومئذ شبيبة فقال أحدهما لصاحبه: أي آية في كتاب الله أرجى لهذه الأمة؟ فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} () حتى ختم الآية، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أما إن كنت تقول إنها، وإن أرجى منها لهذه الأمة قول إبراهيم: {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} ().

4– حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}، ورحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي)) ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير