تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد مال الطبري إلى ترجيح هذا القول فقال: (وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما صح به الخبر عن رسول الله أنه قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم {قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن}،وأن تكون مسألته ربه ما سأله أن يريه من إحياء الموتى لعارض من الشيطان عرض في قلبه كما ذكر، فسؤال إبراهيم حينئذ ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ليعاين ذلك عيانا،فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أن يلقي في قلبه مثل الذي ألقى فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك، فقال له ربه: {أولم تؤمن} يقول: أولم تصدق يا إبراهيم بأني على ذلك قادر، قال: بلى يا رب، لكن سألتك أن تريني ذلك ليطمئن قلبي فلا يقدر الشيطان أن يلقي في قلبي مثل الذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت) ().

وكل دليل من تلك الأدلة لا يسلم من نقد ورد وإليك بيان ذلك:

أولاً: أن ما استدلوا به من أن ظاهر الآية يدل على ما ذهبوا إليه لا يسلم، فإن الرؤية إما أن تكون قلبية أو بصرية - كما مر معنا بيان ذلك - وإبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم إنما أراد الرؤية البصرية، وهذه لا يتعلق بها شك، والشك إنما يتعلق بالرؤية القلبية، وهذا منتف قطعاً عن الخليل وقد أثبته بقوله {بلى} أي بلى أؤمن بذلك.

وأما الطمأنينة التي رامها الخليل من سؤاله فهي: السكون باجتماع دليل العيان مع دليل القلب ليس إلا.وقد مر معنا أن السلف فسروها بذلك، فلا دليل في الآية إذا على ما ذهبوا إليه.

ثانياُ: استدلالهم بما ورد عن ابن زيد وغيره ليس فيه دلالة ظاهرة على ما ذهبوا إليه، بل فيه إشارة إلى أن إبليس لعنه الله قذف في قلب إبراهيم عليه السلام شيئا مما يقذفه في قلوب البشر، ويمكن أن يحمل ذلك على حب المعاينة ومشاهدة كيفية الإحياء ()، وأما حمله على الشك فلا يسلم به خاصة والقضية تتعلق بنبي معصوم.

ثم إن هذه الرواية من باب الأخبار الإسرائيلية، فلا تقبل إذا خالفت شيئاً مما ثبت في ديننا، وقد ثبت أن الله عصم أنبياءه من المعاصي، والقول بأن الشيطان قذف في قلب الخليل الشك في إحياء الأموات يخالف ما ثبت من عصمة الأنبياء.

ثالثاً: دليلهم أن بعض السلف جعل الآية أرجى آية، يجاب عليه بما يلي:

1 - أن قول ابن عباس رضي الله عنهما: أنها أرجى آية. مقابل بقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن آية سورة الزمر هي أرجى آية، فابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما كل منهم اجتهد، وذكر ما يعتقد، وقبول قول أحدهما وتقديمه على الآخر يحتاج إلى نص قاطع عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، أو قرينة يستند عليها، والنص غير موجود، والقرينة تدل على رجحان ما ذهب إليه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، لأن قول ابن عباس رضي الله عنهما يفهم منه أن شيئاً من الشك تسرب إلى قلب إبراهيم عليه السلام، وهذا قدح في الخليل، ومردود بعصمة الأنبياء.

2 – ما سبق يعارض بما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال في قوله {ولكن ليطمئن قلبي}: لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك ()، فبين السبب الذي من أجله سأل.

3 - قول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مؤيد بما نقل عن علي رضي الله عنه أنه قال: أي آية أوسع؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن، فقال رضي الله عنه: ما في القرآن أوسع من {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ... الآية} ().

4 - جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إن أكبر آية فرجا في القرآن {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ... الآية} ().

5 - نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أرجى آية في القرآن قوله تعالى: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ... الآية} ().

6 – يمكن أن يحمل قول ابن عباس رضي الله عنهما:"أنها أرجى آية "من حيث أن الإيمان كاف لا يحتاج معه إلى تنقير وبحث ()، ولذلك قال: فرضى من إبراهيم قوله "بلى"

وبما ذكر يتضح أن استدلالهم بقول ابن عباس رضي الله عنهما لا يسلم لهم لمقابلته بقوله الآخر، وبتفرده بما قال، ولكثرة من وافق عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ولأن قول ابن عمرو رضي الله عنهما لا يوقع في محذور، بخلاف قول ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير