المداخلة الثانية: قول الباحث الكريم: (وقال الإمام السيوطي –رحمه الله-: «وقد ثبت أن جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار .. » [الإتقان1/ 166].
وأسماء القرآن تقاس على أسماء سور القرآن بجامع أن كليهما ورد له تسمية في الوحيين فيقتصر عليهما ولا يتجاوز إلى غيرهما. والله أعلم (.
قلت: السيوطي على جلالته وبراعته في جمع أقوال أهل العلم له أوهام كثيرة وإطلاقات لا تصح يخالفها هو في مواضع أخرى من كتبه.
لذلك ينبغي أن ينتفع بنقله وجمعه وتلخيصه، وينظر بعين بصيرة إلى حكمه في المسائل وإطلاقاته، فقوله: (وقد ثبت .... إلخ) أين مستند هذا الثبوت؟!!
وليت أن الباحث الكريم استقرأ مناهج العلماء في تسميات السور وهل كانوا يراعون التوقيف فيها، قبل أن يعتبرَ كلام السيوطي دليلاً ويقيسَ عليه
وسأعدُّ موضوعاً جديداً بإذن الله تعالى في مناهج العلماء في تسمية السور من عهد ما قبل التدوين إلى عصرنا الحاضر، بشيء من التفصيل والتمثيل ومناقشة بعض المسائل المتعلقة بذلك.
لكني أحب أن أذكر ههنا بعض الفوائد التي ربما تجلي بعض الحقائق حول ما نحن بصدده:
فالسيوطي نفسه قال في نفس الكتاب [الإتقان:1/ 64]: على سبيل المثال: ((عَمَّ) يُقَالُ لَهَا النَّبَأُ والتَّسَاؤلُ والمُعْصِرَاتُ)
مع أن تسميتها في الأحاديث والآثار: سورة {عم يتساءلون}
وهذا بيانها بشيء من الاختصار
أولاً: الأحاديث
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ ابنِ أَبي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوصِ عَن أَبي إِسْحَاقَ عَن عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: قالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا شَيَّبَكَ؟ قال: ((شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلاتُ، وَ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}، وَ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}))). [مصنف ابن أبي شيبة:7/ 201]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عليِّ بنِ أحمدَ ابْنُ طُولُونَ الصَّالِحِيُّ (ت: 953هـ): (وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَالْحِلْيَةِ لأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ؟ قَالَ: ((شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلاتُ، وَ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}، وَ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ})) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ). [الشَّذْرَةُ: 1/ 350]
قالَ محمَّدُ نَاصِرُ الدِّينِ الألبانيُّ (ت: 1421هـ): (أَخْرجَهُ التِّرْمِذِيُّ (2/ 225) و ابنُ سَعْدٍ في (الطَّبَقَاتِ:1/ 435) وأبو نعيم في (الحليةِ:4/ 350) و الحاكمُ (2/ 344) والضِّيَاءُ في (الأحاديثِ المختارةِ:66/ 75/1) مِن طريقِ شَيْبَانَ عن أبي إِسحاقَ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباسٍ قالَ: ((قالَ أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنه: يا رسولَ اللهِ قد شبتَ؟ قال .. )) فَذَكَرَهُ، وقالَ الترمذيُّ: ((هَذَا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ لا نَعْرِفُهُ من حديثِ ابنِ عباسٍ إلا مِنْ هَذَا الوَجْهِ)). قلت: قَدْ تَابَعَهُ أَبُو الأحوصِ عن أبي إسحاقَ الهَمْدَانيِّ به، أخرجَهُ الحاكِمُ (2/ 476) و قالَ: ((صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ)) وَوافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وهوَ كَمَا قالا، وإِنْ كانَ قَدْ أُعِلَّ بالاختلافِ في إسنادِهِ). [السلسلة الصحيحة:2/ 676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت:911هـ): (وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَساً عَنْ مِقْدَارِ صَلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ؛ فأَمَرَ أَحَدَ بَنِيهِ فصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ أَوِ العَصْرَ، فقَرَأَ بِنَا {وَالمُرْسَلاتِ} و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}). [الدر المنثور: 15/ 189]
وفي الباب حديث أبيّ بن كعب وهو موضوع وحديث أبي سعيد الخدري وفيه ضعف فلا أطيل بسردهما وما قيل فيهما
ثانياً: الآثار
أثر ابن عباس
¥