2 - كذلك تسميته للتفسير الموضوعي بالتوحيدي، هو اصطلاح جديد من المؤلف، وهو ذو دلالة غير مطابقة أيضاً على المطلوب. فتوحيد الآيات ذات الموضوع الواحد قد يسمى توحيدي، وكذلك النسبة قد تصح لآيات التوحيد والعقيدة.
3 - الحقيقة أن المبالغة في مدح التفسير الموضوعي على حساب التفسير التحليلي أمرٌ لا يُسَلَّم للمؤلف، ومن ذلك الزعم بأن التفسير التحليلي لم يقدم للأمة فكراً أو إبداعاً كمثل قوله:
أ ـ (و مثل هذه العملية لم يكن بإمكانها أن تقوم بدور اجتهادي مبدع، في التوصل إلى ما وراء المدلول اللغوي و اللفظي، التوصل إلى ألافكار الأساسية التي حاول القرآن الكريم أن يعطيها؛ من خلال المتناثر من آياته الشريفة).
فهل ما حاول القرآن أن يعطيه من الأفكار الأساسية قد غاب عن المفسرين، بل عن الصحابة رضي الله عنهم الذين عُنوا بمهمات الأمور وركائزها، ثم ما الأفكار الأساسية التي أبرزها التفسير الموضوعي وقد غابت عن جمهور المفسرين.
ب ـ وقوله: (و قد أدت حالة التناثر و نزعة الاتجاه التجزيئي إلى ظهور التناقضات المذهبية العديدة في الحياة الإسلامية؛ إذ كان يكفي أن يجد هذا المفسر أو ذاك آية تبرر مذهبه لكي يعلن عنه و يجمع من حوله الأنصار و الأشياع).
فهل كان التفسير التحليلي أو التجزيئي على اصلاح المؤلف سبباً في تلك الفرقة، كيف يقع ذلك وأولئك المفسرين من جميع المذاهب يمرون على جميع آيات القرآن تفسيراً وتحليلاً فما يجده المفسر موافقاً لمذهبه ـ إن كان باطلاً ـ سيأتي في موطن آخر ما يرده ويبطله ويبين المذهب الصحيح الذي يجب اعتقاده، ولا شك أن السبب الرئيس في ذلك لا يعود إلى التفسير بهذه الطريقة بل إلى أمور أخرى منها: تقديم الاعتقاد على الاستدلال، والعقل على النقل، والسير على المذاهب المنحرفة في التعامل مع النصوص كالمذهب التأويلي والباطني والحرفي، وغير ذلك من الأسباب، ومما يدل على أن التفسير التحليلي ليس سبباً في ذلك أن كل تلك المذاهب تذكر الآيات الموافقة لها وتستدل بها على اعتقادها، ثم تذكر ما يعارضها من الآيات وتأولها أو تبين الوجه الصحيح في تفسيرها عندها، ويمكن النظر في تفسير الكشاف للزمخشري كيف يستدل على مذهبه بآيات كثيرة، ثم يمر على ما يخالفه فيأوله.
ج ـ قوله: (و من هنا لم يكن بإمكان تفسير يقف عند حدود المأثور من الروايات عن الصحابة و التابعين و عن الرسول و الأئمة، الروايات التي كانت تثيرها استفهامات عقلية على الأغلب من قبل الناس، ... لم يكن بإمكانه -يعني التفسير التجزيئي -أن يتقدم خطوة أخرى، و أن يحاول تركيب مدلولات القرآن و المقارنة بينها، و استخراج النظرية من وراء هذه المدلولات اللفظية، التفسير كان يطبعه تفسيرا لفظيا، تفسيرا للمفردات لما استبدل من المفردات و شرح بعض المستجد من المصطلحات، و تطبيق بعض المفاهيم على أسباب النزول).
لا شك أن مثل هذا الحديث في الحط من قيمة التفسير الوارد عن الأئمة والذي اصطلح عليه بالتفسير التحليلي؛ غير مقبول.
وليت المؤلف بين لنا معنى العبارات التي ذكرها: (تركيب مدلولات القرآن)، (المقارنة بينها)، (استخراج النظرية من موراء تلك المدلولات اللفظية)، (تفسيراً لفظياً) ... الخ، فكل هذه العبارات الكبيرة لا نجد تحتها كبير أثر ولا معنى، قد جاد به التفسير الموضوعي وخلا منه التفسير الوارد عن الأئمة والمصطلح عليه بالتفسير التحليلي.
د ـ قوله: (بقدر ما ساعد انتشار الاتجاه التجزيئي في التفسير على إعاقة الفكر الإسلامي القرآني عن النمو المكتمل و ساعد على إكسابه حاله تشبه الحالات التكرارية، حتى نكاد نقول إن قرورنا من الزمن متراكمة مرت على تفاسير الطبري و الرازي و الشيخ الطوسي لم يحقق فيها الفكر الإسلامي مكاسب حقيقية جديدة).
وهذا كما سبق في الحط من شأن التفسير التحليلي، واستعمال العبارات الفكرية (الفخمة) في بيان قيمة التفسير الموضوعي على حساب التفسير التحليلي، ويمكن بيان ما يؤخذ على هذا القول بما يلي:
¥