تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمعنى: أن الله أرزأ أعداء موسى ما كان لهم من نعيم إذ أهلكهم وأعطى بني إسرائيل خيرات مثلها لم تكن لهم، وليس المراد أنه أعطى بني إسرائيل ما كان بيد فرعون وقومه من الجنات والعيون والكنوز، لأن بني إسرائيل فارقوا أرض مصر حينئذ وما رجعوا إليها كما يدل عليه قوله في سورة الدخان (28) {كذلك وأورثناها قوماً آخرين} ولا صحة لما يقوله بعض أهل قصص القرآن من أن بني إسرائيل رجعوا فملكوا مصر بعد ذلك، فإن بني إسرائيل لم يملكوا مصر بعد خروجهم منها سائر الدَّهر فلا محيص من صرف الآية عن ظاهرها إلى تأويل يدل عليه التاريخ ويدل عليه ما في سورة الدخان.

فضمير أورثناها} هنا عائد للأشياء المعدودة باعتبار أنها أسماء أجناس، أي أورثنا بني إسرائيل جناتتٍ وعيوناً وكنوزاً، فعَود الضمير هنا إلى لفظ مستعمل في الجنس وهو قريب من الاستخدام وأقوى منه، أي أعطيناهم أشياء ما كانت لهم من قبل وكانت للكنعانيين فسلط الله عليهم بني إسرائيل فغلبوهم على أرض فلسطين والشام. وقد يعود الضمير على اللفظ دون المعنى كما في قولهم: عندي درهم ونصفُه، وقوله تعالى: {إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثُها إن لم يكن لها ولد} [النساء: 176]، إذ ليس المراد أن المرء الذي هلك يرث أخته التي لها نصف ما ترك بل المراد: والمرء يرث أختاً له إن لم يكن لها ولد، ويجوز أن يكون نصب الضمير لفعل «أورثنا» على معنى التشبيه البليغ، أي أورثنا أمثَالها. وقيل ضمير: {أورثناها} عائد إلى خصوص الكنوز لأن بني إسرائيل استعاروا ليلة خروجهم من جيرانهم المصريين مصوغهم من ذهب وفضة وخرجوا به كما تقدم في سورة طه.

ويتابع أيضا فيقول

ويجوز عندي وجه آخر وهو أن تكون جملة {فأخرجناهم من جنات} إلى قوله: {وأورثناها} حكاية لكلام من الله معترض بين كلام فرعون. وضمير {فأخرجناهم} عائد إلى قوم فرعون المفهوم من قوله: {في المدائن} [الشعراء: 53]، أي فأخرجنا أهل المدائن. وحذف المفعول الثاني لفعل {أورثناها}. والتقدير: وأورثناها غيرهم، ويكون قوله: {بني إسرائيل} بياناً لاسم الإشارة في قوله: {إن هؤلاء} [الشعراء: 54] سلك به طريق الإجمال ثم البيان ليقع في أنفس السامعين أمكن وقْع.

وجملة: {فأتبعوهم مشرقين} مفرعة على جملة: {فأخرجناهم} وما بينهما اعتراض. والتقدير: فأخرجناهم فأتبعوهم. والضمير المرفوع عائد إلى ما عاد عليه ضمير النصب من قوله: {فأخرجناهم}، وضمير النصب عائد إلى {عبادي} [الشعراء: 52] من قوله: {أن اسْرِ بعبادي} [الشعراء: 52].

واورد الالوسي رحمه الله اقوالا في المسالة في تفسيره لسورة الدخان

والمراد بالقوم الآخرين بنو إسرائيل وهم مغايرون للقبط جنساً وديناً. ويفسر ذلك قوله تعالى في سورة الشعراء (59) {كَذَلِكَ وأورثناها بَنِى إسراءيل} وهو ظاهر في أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وملكوها وبه قال الحسن.

وقيل: المراد بهم غير بني إسرائيل ممن ملك مصر بعد هلاك القبط وإليه ذهب قتادة قال: لم يرد في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر ولا أنهم ملكوها قط

وقيل: المراد من إيراثها إياهم تمكينهم من التصرف فيها ولا يتوقف ذلك على رجوعهم إلى مصر كما كانوا فيها أولاً، وأخذ جمع بقول الحسن وقالوا لا اعتبار بالتواريخ وكذا الكتب التي بيد اليهود اليوم لما أن الكذب فيها كثير وحسبنا كتاب الله تعالى وهو سبحانه أصدق القائلين وكتابه جل وعلا مأمون من تحريف المحرفين. إنتهى كلامه رحمه الله

ويقول سيد طنطاوي

والذى نراه - كما سبق أن قلنا عند تفسير سورة الشعراء - أن الآية صريحة فى توريث بنى اسرائيل للجنات والعيون. . التى خلقها فرعون وقومه بعد غرقهم، بمعنى أنهم عادوا إلى مصر بعد غرق فرعون ومن معه، ولكن عودتهم كانت لفترة معينة، خرجوا بعدها إلى الأرض المقدسة التى دعاهم موسى - عليه السلام - لدخولها كما جاء فى قوله - تعالى -: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ. .} إنتهى كلامه

والذي يظهر لي أن بني إسرائيل لم يعودوا إلى مصر وإنما كانت لهم مصر إيراثا (ملكا وتصرفا) دون وجود موانع تحول بينهم وبين التصرف فيها والله أعلم

فليس في أيدينا دليل يستند إليه لنقول بعودتهم وإنما الظاهر انهم بقوا خارجها وبعد ذلك حصل لهم التيه

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[13 Dec 2007, 03:53 م]ـ

أشكر لك مداخلة مرة أخرى أخي نضال، لكن أليس ظاهر القرآن دليلاً قطعيًّا عندنا، وما قاله الشيخ سيد طنطاوي ـ حفظه الله ـ أقرب إلى ظاهر الآيات، والله أعلم.

والمشكلة عندنا ـ أخي الفاضل ـ أننا نعتقد ثم نستدل، فمن أين لنا أن بني إسرائيل لم يعودوا إلى مصر بعد غرق فرعون، وهل هناك نصٌّ صريح ينفي عودتهم، وها أنت ترى النص الصريح يرجح عودتهم.

ثم هل الحَكَم عندنا التاريخ المكتوب؟

ثمَّ أي تاريخ هذا الذي سيكون حَكَمًا على النصِّ الظاهر من القرآن؟!

وإذا لم نجد في التاريخ المكتوب فهل نتررد في الأخذ بظاهر القرآن؟!

أرى أن السلامة باتباع النصِّ، والقول به، والوقف عند حدِّه، هذا أولى لنا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير