تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول الشيخ ابن عاشور:"استمداد العلم يراد به توقفه على معلومات سابق وجودُها على وجود ذلك العلم عند مدونيه لتكون عونا لهم على إتقان ذلك العلم، وسمي ذلك في الاصطلاح بالاستمداد عن تشبيه احتياج العلم لتلك المعلومات بطلب المدد، والمدد العون والغواث، فقرنوا الفعل بحرفي الطلب وهما السين والتاء، وليس كل ما يذكر في العلم معدودا من مدده، بل مدده ما يتوقف عليه تَقَوُّمُه" (14)،وكلام الشيخ هنا عن العلم كلامٌ عن قواعده وأصوله.

ويمكن تصنيف مصادر هذا الاستمداد إلى ما يلي:

1 - القرآن الكريم:

"إذ للقرآن –كما يقول ابن القيم- عُرْفٌ خاص، ومعان معهودة، لا يناسبه تفسيره بغيرها، ولا يجوز تفسيره بغير عرفه والمعهود من معانيه، فإن نسبة معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ، بل أعظم، وكما أن ألفاظه ملوك الألفاظ وأجلها وأوضحها، ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي يعجز عنها قُدَرُ العالمين، فكذلك معانيه أجل المعاني، وأعظمها وأفخمها، فلا يجوز تفسيره بغيرها من المعاني التي لا تليق به" (15).

ومن هذا الباب ما يستخلصه العلماء من قواعد بالاستقراء من سائر نصوص القرآن الكريم، فيكون بمثابة قواعد قرآنية. والعلماء يستعملون في هذا المجال عبارة: "عادات القرآن"، فقد أشار جار الله الزمخشري إلى شيء من ذلك في تفسيره، وكذلك الراغب الأصفهاني في مفرداته. وإليك منه هذا المثال، قال: "وكل موضع ذكر في وصف الكتاب "آتينا" فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه "أوتوا"، لأن "أوتوا" قد يقال إذا أولي من لم يكن منه قبول، و"آتيناهم" يقال فيمن كان منه قبول" (16). وقال الشيخ ابن عاشور: "وقد استقريت بجهدي عادات كثيرة في اصطلاح القرآن سأذكرها في مواضعها، ومنها أن كلمة "هؤلاء" إذا لم يَرِدْ بعدها عطف بيان يبين المشار إليهم فإنها يراد بها المشركون من أهل مكة كقوله تعالى: (بل متعت هؤلاء وآباءهم) وقوله: (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين)، وقد استوعب أبو البقاء الكفوي في كتاب الكليات في أوائل أبوابه كليات مما ورد في القرآن من معاني الكلمات، وفي الإتقان للسيوطي شيء من ذلك. وقد استقريت أنا من أساليب القرآن أنه إذا حكى المحاورات حكاها بلفظ "قال" دون حروف عطف، إلا إذا انتقل من محاورة إلى أخرى، فانظر قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها" إلى قوله: أنبئهم بأسمائهم) (17).

2 - السنة الشريفة:

وهي بيان للقرآن، فلا شك أنها أهم مصدر بعد القرآن في التفسير.

3 - أقوال الصحابة والتابعين. ومنزلتهم بيّنة جلية.

4 - أصول الفقه:

ومادة التفسير فيه حاصلة من جهتين: "إحداهما: أن علم الأصول قد أودعت فيه مسائل كثيرة هي من طرق استعمال كلام العرب وفهم موارد اللغة أهمل التنبيه عليها علماء العربية مثل مسائل الفحوى ومفهوم المخالفة، وقد عد الغزالي علم الأصول من جملة العلوم التي تتعلق بالقرآن وبأحكامه فلا جرم أن يكون مادة للتفسير. الجهة الثانية: أن علم الأصول يضبط قواعد الاستدلال ويفصح عنها، فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعية من آياتها" (18)

5 - علوم اللسان المتضمنة لقواعد العربية: من متن لغوي ونحو وتصريف وبلاغة وغيرها، لكون التنزيل بلسان عربي مبين!

رابعا: واقع قواعد التفسير والتأليف فيها:

واقع هذه القواعد هو واقع هذا العلم، وهو -كما قال أستاذنا الدكتور الشاهد البوشيخي- "مازال ينتظر جهودا صادقة مخلصة لاستخلاصه من مصادره، وتخليصه مما التبس به، وتصنيفه وتكميل بنائه". (19)

فالقواعد مبثوثة وموزعة في بطون كتب التفسير وعلوم القرآن وأصول الفقه وغيرها، وقد تصدى لتأليفها وجمعها عدد من الفضلاء كل على منهجه، لكنها في الواقع –وهذا ليس حطا من شأن أهلها- لم تعتمد خطة متكاملة تستوعب ما أمكن من المصادر الموجودة وتضم سائر الجهود المبذولة، وهو أمر أعظم من أن يقوم به فرد أو مجموعة أفراد! إنه تأسيس علم وأي علم؟!. وهذا يعني أن الأمر أكبر من أن يقوم به فرد أو مجموعة أفراد، بل لابد من تضافر الجهود بكافة أشكالها لإنجاز هذا المشروع.

خامسا: إحصاء قواعد التفسير وتصنيفها:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير