ولو تأملت أحداث السيرة النبوية وسير الصحابة رضي الله عنهم لوجدت هذا النوع ظاهراً فيها وقصة الوشاح معلومة في صحيح البخاري
وفيها تقول الجارية:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا = ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني:
فمن هذا النوع ما يكون ظاهره محنة وباطنه منحة.
والنوع الثاني: هو غالب قضاء الله عز وجل على الكافرين والمنافقين حتى مع ما يمدهم الله به من مال وبنين قال تعالى: (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون)
ويقع من ذلك ما هو عام للعباد قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)
وقد يقع ذلك لبعض الصالحين كما نزل في الصحابة قوله تعالى:
(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم)
وكما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك)
وكما قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق زوجتي ودابتي.
فتقدير تغير خلق زوجته ودابته عقيب المعصية هو من آثارها وهو قضاء عذاب
إلا أن قضاء العذاب للمؤمن فيه كفارة له كما ثبت ذلك في أدلة كثيرة
ومثل هذا يقع كثيراً لبعض العصاة فتجده يعق والديه أو يقطع رحمه أو يظلم أحداً فيعذب بشيء يبتليه الله به سريعاً.
وهل أردى من تردى من الناس إلا جرائر أعمالهم.
وقد تقع له بعد المعصية موافقات عجيبة هي من هذا القبيل.
والناس يروون في ذلك قصصاً كثيرة.
فسبحان اللطيف الخبير الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة، ولا يشغله شأن عن شأن.
والنوع الثالث: وهو قضاء الفتنة وهو عام ولكن الله يلطف بمن أراد به خيراً فيعصمه من الضلال، ويهديه إلى الصراط المستقيم المفضي إلى رضوانه جل وعلا
كما قال تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوابنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم)
ومن سبقت له سابقة الشقاوة ضل وتردى كما قال موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء)
وتفطَّنْ إلى أنه لم يقل: تهدي بها
فالهداية منّة خالصة من الله تعالى، وبذلك استدل من أجاز التعوذ من الفتنة دون تقييد
وفيها بسط آخر.
وهذا بخلاف الأمثال فإن فيها هداية وإضلالاً كما قال تعالى في سورة البقرة (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً، يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين)
وفي المدثر: (وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء)
والمقصود أن قضاء الفتنة يقع كثيراً ومن أدلته قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب)
وقوله تعالى: (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده)
وقال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)
ففرق بين الفتنة والعذاب، وهي في هذا الموضع نذير خطر للمخالف فإنه لا ينجو منها إلا من عصمه الله.
وكما حصل لكعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة العسرة وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم عن المعذرين جاءه كتاب غسان وفيه: (إنه بلغنا أن صاحبك قد قلاك فالحق بنا نواسك) فعلم كعب أنها فتنة فسجر الرسالة في التنور، أي: أحرقها.
ولو تأملت سير كبار المبتدعة لوجدت أن أكثرهم حصلت له موافقات تعجب منها فاغتر بها، ومنهم من استهوته الشياطين، وأوحت له زخرف القول غروراً، وجرت على يديه أعاجيب ثم كان مآله الخذلان والخسران نعوذ بالله من ذلك.
والحاصل أن هذه الموافقات التي تحصل هي من قضاء الله عز وجل وهي دائرة بين هذه الأنواع الثلاثة
لذلك لا يأمن من تقع له مثل هذه الموافقات أن تكون فتنة،
ونظيرها عندي الرؤى التي يراها النائم
فمنها: ما يكون رحمة وهي غالب رؤى المسلمين.
ومنها: رؤى عذاب وهي غالب رؤى الكفار والمنافقين وأهل الكبائر لا سيما القتلة والعاقون وقاطعوا الأرحام والظلمة فإنهم يعذبون في منامهم نكالاً من الله عز وجل.
¥