تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وغريبٌ جِدُّ غريبٍ أن يتم تفسير آيات الله بهذه الطريقة المفسدة للنص القرآنى قبل أن تكون مفسدة للذوق والمروءة والدين والحق والصدق والتاريخ، إذ كيف يُتَّهَم بهذه الطريقة البشعة الكريهة أبو بكر، رضى الله عنه، الذى لُقِّب بـ"الصديق" لتصديقه النبى فى كل ما أتى به وتصديه للكفار فى مواقف حاسمة خطيرة متعددة كذّبوه صلى الله عليه وسلم فيها، وبخاصة غداة حادثة الإسراء والمعراج التى زلزلت إيمان بعض المسلمين أنفسهم على ما هو معروف، فيقال عنه إنه كان يعتقد أن رسول الله ساحر؟ وهل مثل أبى بكر، بعد كل الذى صنعه من أجل نصرة الإسلام وبعد كل الذى تلقاه من الأذى وأنفقه من الأموال فى سبيل الله، يمكن أن يشك فى صدق الوعد الإلهى فى تلك الظروف بأنه سبحانه ناصر رسوله ودينه حتى يحتاج إلى أن يريه النبى أصحابه الغائبين على ذلك النحو الإعجازى الذى لم ينجح رغم ذلك فى تهدئة شكوكه ومخاوفه واضطراب أعصابه، بل زاده حيرة وضلالا (أستغفر الله) فأضمر لساعتها أن محمدا ساحر؟ لكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا يا ترى استمر فى رحلته معه ولم ينقلب إلى مكة "ويفضّها سيرة" ويتحول إلى معسكر المشركين؟ ولماذا اختار النبى هذه المعجزة بالذات فى ذلك الوقت؟ وهل كانت الظروف ملائمة للقيام بها وهما حابسان أنفاسهما فى الغار على مقربة من أقدام المطاردين؟ ومادام ثَمّ مكان للمعجزة فى تلك الظروف، أفلم يكن الأجدى أن تكون تلك المعجزة هى نقلهما فى لمح البصر إلى يثرب بعيدا عن الخطر المحدق بهما، وكفى الله المؤمنين شر الحيرة والضلال؟ ثم ما معنى أن النبى أراه جعفرا وأصحابه فى البحر يغوصون؟ هل كانوا يمتهنون الصيد أو البحث عن اللؤلؤ تحت الماء فى الحبشة حيث كانوا يقيمون وقتها؟ وأى بحر يا ترى كان ذلك، وهم إنما كانوا يعيشون على مقربة من النجاشى فى عاصمة بلاده بعيدا عن البحار؟ ولماذا هذا المشهد بالذات؟ ولقد قرأت فى تفسير "نور الثقلين" لعبد على بن جمعة العروسى الحويزى (ت 1112هـ) رواية تقول إن النبى أَرَى أبا بكر جعفرا وأصحابه راكبين السفينة فى البحر. فما معنى ذلك؟ هل كانوا فى طريقهم للعودة إلى بلاد العرب؟ لكنهم لم يعودوا إلا بعد هذا بأعوام على ما هو معلوم، حيث ذهبوا إلى المدينة مباشرة. ثم لماذا جعفر وأصحابه بالذات؟ وهل عبارة "لا تحزن" معناها: "لا تخف"؟ ثم ما دام أبو بكر خائفا إلى هذا الحد، فمن كان أَوْلَى الاثنين بإنزال السكينة: النبى الرابط الجأش الثابت الجَنَان أم أبو بكر المضطرب اللهفان؟ ولماذا ترك الله سبحانه نبيه يطمئنّ إلى صحبة أبى بكر دون غيره من الصحابة فى هذه الرحلة البالغة الخطورة ما دام فى إيمانه دَخَل؟ ولقد كنت أحدث زوجتى فى هذا الأمر ثانى يوم كتبت فيه الفقرات السابقة واللاحقة، فإذا بها تسألنى مستنكرة موقف الشيعة فتقول: فمن يا ترى أخبر هؤلاء الناس بما جرى فى الغار؟ فقلت: ليس أمامنا إلا افتراضان: فإما أن الرسول هو الذى روى ما حدث، وإما أبو بكر نفسه. فأما أبو بكر فلن يقول عن نفسه إنه ضعيف الإيمان بالإسلام ما دام لم يشأ أن يعلن مشاعره الحقيقية تجاه ذلك الدين وتجاه الرجل الذى أتى به. فلم يبق إلا النبى. لكن من الذى روى له النبى ما وقع؟ فليجب هؤلاء الزاعمون إن كان عندهم ما يقولون. ولكن هيهات ثم هيهات ثم هيهات! وإلا ما سكتوا طوال تلك القرون. إنها كذبة غير محبوكة الأطراف كما نرى. وفى تفسير الجنابذى لتلك الآية نقرأ نفس الكلام.

أما الطوسى فرغم أنه لم يورد تلك الرواية البلهاء لم يشأ أن يمر الأمر بسلام، فقال إن وصف القرآن لأبى بكر بأنه "صاحبه"، أى صاحب النبى، لا يوجب له فضيلة، إذ الصحبة تطلق حتى على الكافر واليهودى، بل حتى على البهائم. بارك الله فيك يا مولانا على أدبك الرفيع! ما كل هذا الذوق؟ وما كل تلك اللياقة؟ والطريف أنه يقول، بعد ذلك كله وبعد أن جرَّد أبا بكر من كل فضيلة ولوى الآية ووقائع التاريخ عن وجهتها، إنه لم يذكر هذا للطعن على أبى بكر! وهل تركت يا مولانا شيئا فى عِرْض أبى بكر لم تمزقه بحقدك وسواد قلبك؟ على كل حال هذا هو كلامه نصًّا فى النقطة الأخيرة: "وليس في الآية ما يدل على تفضيل أبي بكر، لأن قوله: {ثاني اثنين} مجرد الإخبار أن النبي صلى الله عليه وآله خرج ومعه غيره، وكذلك قوله: {إذ هما في الغار} خبر عن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير