تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفى آيات الإفك التى يعرف القاصى والدانى أنها نزلت تبرئةً للسيدة عائشة رضى الله عنها وأرضاها مما بُهِتَتْ به فى قصة ضياع العِقْد الذى فقدته فى الصحراء مَرْجِعَها هى والنبى والمسلمين من غزوة بنى المصطلق، نرى القمى كبعض علماء الشيعة يصرف القصة عن حقيقتها حتى لا يُضْطَرّوا إلى الإقرار بأى فضل لها. وأى فضل أعظم من الفضل الذى ظلت أم المؤمنين تباهى به نظيراتها، وهو أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل تبرئتها من فوق سبع سماوات؟ ولا ننس أن لعلى صلة بالقصة، إذ لما سأله النبى فى الأمر حين دارت الشائعات فى أرجاء المدينة كان رده حسبما تحكى لنا الروايات أن النساء كثير. صحيح أنه رضى الله عنه لم يلوث لسانه بقالة سوء فى سيدة كريمة لم يلحظ عليها أية ريبة، إلا أنه لم يراع مدى وقع الكلمة على نفسها، إذ وضع كل همه فى إراحة الرسول من القلق الذى كان يعانيه، فظن أن الرسول إن نفض يده منها واقترن بغيرها فقد أراح نفسه. فعلماء الشيعة يحولون قصة الإفك من فضل يزين عرضها وكرامتها إلى منقصة تنال منها، إذ زعموا أن الآيات المذكورة إنما نزلت لإدانة عائشة بسبب اتهامها لمارية القبطية أم إبراهيم ابن رسول الله فى سمعتها وسلوكها. ولنقرأ ما كتبه القمى فى تفسير قوله تعالى: "إِنَّ ?لَّذِينَ جَآءُوا بِ?لإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ?مْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ?كْتَسَبَ مِنَ ?لإِثْمِ وَ?لَّذِي تَوَلَّى? كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ". قال: "أما قوله: {إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم} فإن العامة رَوَوْا أنها نزلت في عائشة وما رُمِيَتْ به في غزوة بني المصطلق من خزاعة. وأما الخاصة فإنهم رَوَوْا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة والمنافقات. حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال قال: حدثنا عبد الله (محمد خ ل) بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليهما السلام يقول: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله حزن عليه حزنا شديدا، فقالت عائشة: ما الذي يحزنك عليه؟ فما هو إلا ابن جريج. فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليًّا وأمره بقتله، فذهب علي عليه السلام إليه ومعه السيف. وكان جريج القبطي في حائط، وضرب علي عليه السلام باب البستان، فأقبل إليه جريج ليفتح له الباب. فلما رأى عليا عليه السلام عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا ولم يفتح الباب. فوثب علي عليه السلام على الحائط ونزل إلى البستان واتبعه وولى جريج مدبرا. فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة، وصعد علي عليه السلام في أثره. فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته، فإذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء. فانصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمى في الوبر أم أتثبت؟ قال: فقال: لا بل تتثبت. فقال: والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال ولا ما للنساء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمد لله الذى يصرف عنا السوء أهل البيت".

وبادئ ذى بدء نلفت النظر إلى كلمتى "العامة" و"الخاصة" فى النص السابق: فالعامة هم أهل السنة، والخاصة هم المتشيعون. ومغزى إطلاقهما واضح لا يحتاج منى إلى أى شرح، فهما تتكلمان من تلقاء نفسيهما. كذلك نلفت النظر إلى وضع الكاتب لعائشة مع المنافقات فى خانة واحدة واتهامهن جميعا بنفس الجرم، ألا وهو قذف مارية فى عرضها. وثالثا لا أتصور النبى يخرج على مبدإ التثبت قبل إيقاع العقوبة بالمتهم، فلعله برىء، إذ تقول الرواية إنه عليه السلام ما إن سمع التهمة من ضَرّة فى ضَرّتها حتى بادر بإرسال علىّ لقتل جريج دون أن يكلف نفسه أن يسألها ولو عن مصدر الخبر. ورابعا كيف يأمر بقتل جريج ويترك شريكته فى الإثم ما دام قد صدّق أن الأمر وقع كما قالت عائشة فيما نُسِب لها زورا وبهتانا؟ والغريب أن النبى كان يتريث أشد التريث فى مسائل الزنا وعقوبته حتى إنه إذا أتاه شخص وأقرّ من تلقاء نفسه بمواقعة تلك الفاحشة كان يراجعه مرارا ويفتح له الباب بعد الباب لعله يرجع ويتوب ولا يعود لذلك أبدا. بل إنه كان يستحب الستر فى تلك الأمور ولا يرتاح لمن يأتيه شاهدا على أحد بالزنا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير