تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قائلا له: لو سترتهما بثوبك لكان أفضل. ثم إن موقفه من اتهام عائشة فى عِرْضها قد اختلف عن ذلك اختلافا تاما، فلم يسارع بعقابها رغم أن الشائعات التى تلوك سيرتها كانت تتطاير فى أرجاء المدينة. كذلك كيف نسى ملفقو القصة أن عائشة وأباها متَّهمان عند رسول الله حسبما يفترون عليهما، لعن الله كل كذاب أشر، فكيف صدّق الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه البساطة امرأة يزعم الشيعة أنها منافقة بنت منافق؟ أعوذ بالله، وأستلعنه من يتقول على أم المؤمنين الأقاويل. كذلك كيف يرمى جريج نفسه من فوق النخلة دون أن تنكسر أضلاعه؟ بل كيف يفكر فى الرمى بنفسه من فوقها أصلا ويقدم على ذلك الخطر الفظيع؟ وأغرب من هذا أن تمر الرواية على حادثة السقوط من فوق النخلة دون أن تعلق بكلمة واحدة على ما حدث له من جرائه!

وقبل ذلك كله كيف يريدنا هؤلاء أن نتجاهل قصة الإفك الحقيقية التى تورط فيها حسان ومِسْطَح بن أُثَاثة وحَمْنَة بنت جحش وابن أبى سلول وغيرهم وما يتصل بذلك من قصص معروفة فى كتب الحديث والسيرة والتاريخ؟ كما أننا حين ننظر فى آيات سورة "النور" الخاصة بقضية الإفك نرى أن الكلام من أوله إلى آخره إنما يستخدم ضمير جماعة الذكور بما يدل على أن المتهِمين هم رجال أو خليط من رجال ونساء، وليس عائشة والمنافقات كما تزعم الرواية الآثمة. وفوق ذلك فالقرآن يشير إلى "زعيمٍ" رجلٍ لا إلى "زعيمةٍ" امرأةٍ لتلك الفرية: "والذى تَوَلَّى كِبْرَه منهم له عذابٌ أليم". ثم لقد أرسى القرآن الحكم الشرعى فى تلك الظروف، وهو الإتيان بأربعة شهداء، فكيف تجاهل النبى هذا كله وبعث عليًّا فى الحال ومعه السيف كى يقتل جريج دون توفر أربعة شهود؟ لهذا نجد رواية أخرى لتلك القصة عند القمى فى تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} (الحجرات/ 6)، إذ أضاف الكلام التالى: "فأتى به رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال له: ما شأنك يا جريج؟ فقال: يا رسول الله، إنّ القبط يَجُبّون حشمهم ومن يدخل إلى أهاليهم، والقبطيون لا يأنسون الاّ بالقبطّيين. فبعثني أبوها لأدخل اليها وأخدمها وأُونِسها". وهو كلام يدابر العقل، إذ معناه أن الرسول لم يكن يعرف كل تلك المدة لم جاء جريج مع مارية من مصر وأن جريج كان يخدم مارية طوال الوقت ويدخل عليها ويخرج ويقضى لها مطالبها دون علم الرسول. ومعناه قبل ذلك أن القرآن يتهم رسول الله بأنه قد أقدم بجهالة على معاقبة جريج وكاد أن يصبح نادما على ما فعل لولا لطف الله الذى أراد أن يكشف حقيقة أمره وبراءته بوقوعه الدِّرَامِىّ من فوق النخلة. ثم إن الرواية تذكر أن أباها هو الذى أرسل جريج هذا فى رفقة ابنته، مع أننا نعرف أنها لم تكن فتاة حرة، بل جارية أرسلها المقوقس لا أبوها. فهذه ثغرة خطيرة فى الرواية تحطمها تحطيما. كما أن المقوقس لم يرسل مارية وحدها، بل أرسل سيرين أيضا، وهى التى أهداها الرسول لحسان بن ثابت، فلماذا لم نسمع أن سيرين كان يصاحبها رجل مجبوب كجريج يقوم على شؤونها؟ كذلك هناك صعود جريج النخلة، وهو ليس حلا لأنه لا يستطيع أن يبقى فوقها إلى الأبد، وإن كان صعود علىٍّ كرم الله وجهه النخلة وراءه أبعث على الاستغراب والتعجب، إذ ما الداعى له، وجريج لا يمكن أن يطول مكثه هناك، بل لا بد أن ينزل، وبسرعة: على الأقل حين يقرص بطنه الجوع، أو يحتاج إلى النوم أو قضاء الحاجة. كما أن صعوده النخلة يذكّرنا بما يفعله الشرير عادةً فى الأفلام، إذ يتسلق برجا أو سطح حجرة فوق أعلى المنزل أو صارية سفينة مثلا، مع أن أقل تفكير من جانبه كفيل بأن يباعد بينه وبين اللجوء إلى هذا الحل المضحك لأنه لا يمكنه البقاء هناك إلى آخر العمر. وعادة ما تكون نهايته فوق الموضع المرتفع الذى التجأ إليه نهاية مأساوية كما يعرف مشاهدو الأفلام والمسلسلات. ومع هذا كله فإن إصرار القمى على تلويث صحيفة عائشة يدفعه إلى المضى فى غَيّه والقول بأن الله إنما أراد أن يظهر براءة جريج على يد على. أى أنه سبحانه قد دبّر اندفاع علىّ بالسيف يريد الإجهاز على جريج فى هوج ودون تبصر أو محاكمة بناء على تكليف رسول الله له بذلك لا لشىء إلا لكى يثبت براءة المصرى المسكين! وهو ما يعنى أن الأقدار قد جهزت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير