تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للاستمرار في العمل، إلى أن تتعطل في لحظة معينة حتى لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي، أو أنّ هذا التصلّب وهذا التناقض في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمم الذي يتسرب إلى الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثّف أو ما يقوم به من عمل مكثّف أو أي عامل آخر؟ وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه، وهو جادٌّ في الإجابة عليه ... فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معينة فهذا يعني أنّ بالإمكان نظريا، إذا عُزِلت الأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعينة، أن تمتد بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائيا.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخرى التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانونا طبيعيا للخلايا والأنسجة الحية نفسها بمعنى أنّها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مرورا بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاء بالموت، أقول: إذا أخذنا بوجهة النظر هذه فليس معنى هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي، بل هو على افتراض وجوده قانون مرن، لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية ولأن العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية أنّ الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية قد تأتي مبكرة وقد تتأخر ولا تظهر إلا في فترة متأخرة، حتى إنّ الرجل قد يكون طاعنا في السن ولكنه يملك أعضاء لينة ولا تبدو عليه أعراض الشيخوخة كما نص على ذلك الأطباء. بل إنّ العلماء استطاعوا عمليا أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرات بالنسبة على أعمارها.

وبهذا يثبت علميا أن تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معينة أمر ممكن علميا، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلا هذا التأجيل بالنسبة إلى كائن معقد معين كالإنسان فليس ذلك إلا لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء أخرى. وهذا يعني أن العلم من الناحية النظرية، وبقدر ما تشير إليه اتجاهاته المتحركة، لا يوجد فيه أبدا ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان، سواء فسرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعي للخلية الحية نفسها يسير بها نحو الفناء.

ويتلخص من ذلك أن طول عمر الإنسان وبقاءه قرونا متعددة أمر ممكن منطقيا وممكن علميا، ولكنه لا يزال غير ممكن عمليا، إلا أنّ اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل. وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهدي عليه السلام وما أحيط به من استفهام أو استغراب. ونلاحظ أنّه بعد أن ثبت هذا العمر الطويل منطقيا وعلميا، وثبت أنّ العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلى عملي تدريجيا، لا يبقى للاستغراب محتوى إلا استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه، العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.

س: كيف سبق الإسلام، الذي صمم عمر هذا القائد المنتظر، حركة العلم في مجال هذا التحويل؟

الجواب: أنّه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم. أوَ ليست الشريعة الإسلامية ككل قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنساني قرونا عديدة؟ أوَ لم تنادِ بشعارات طرحت خططا للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلا بعد مئات السنين؟ أو لم تأت بتشريعات في غاية الحكمة لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلا قبل برهة وجيزة من الزمن؟ أوَ لم تكشف رسالة السماء أسرارا من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان، ثم جاء ليثبتها ويدعمها؟ فإذا كنا نؤمن بهذا كلّه أنستكثر على مرسل هذه الرسالة سبحانه وتعالى أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي؟ وأنا هنا لم أتكلّم إلا عن مظاهر السبق التي نستطيع أنّ نحسّها نحن بصورة مباشرة. ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهر السبق التي تحدثنا بها رسالة السماء نفسها. ومثال ذلك أنها تخبرنا بأن النبي صلى الله عليه وآله قد أُسْرِيَ به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. وهذا الإسراء، إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعية، فهو يعبر عن الاستفادة من القوانين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير