تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الطبيعية بشكل لم يتح للعلم أن يحققه إلا بعد مئات السنين. فنفس الخبرة الربانية التي أتاحت للرسول صلى الله عليه وآله التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك أتاحت لآخر خلفائه المعصومين العمر المديد قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.

نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريبا في حدود المألوف حتى اليوم في حياة الناس وفي ما أنجز فعلا من تجارب العلماء. ولكن أليس الدور التغيري الحاسم الذي أعد له هذا المنقذ غريبا في حدود المألوف في حياة الناس وما مرّت بهم من تطورات التاريخ؟ أو ليس قد أنيط به تغيير العالم وإعادة بنائه الحضاري من جديد على أساس الحق والعدل؟ فلماذا نستغرب إذا اتسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإن غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديدا لا يفوق بحالٍ غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب على اليوم الموعود إنجازه. فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد تاريخيا على الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذاك العمر المديد الذي لا نجد عمرا مناظرا له في حياتنا المألوفة؟

ولا أدري هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافا مضاعفة؟ أحدهما مارس دوره في ماضي البشرية، وهو نوح الذي نصّ القرآن الكريم على أنه مكث في قومه ألف سنة خلا خمسين سنة، وقدر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد. والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية، وهو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام، وسيقدَّر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد. فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهدي عليه السلام؟

س: لو فرضنا أن العمر الطويل غير ممكن علميا، أو أن قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشرية اليوم وفي المستقبل التغلّب عليه وتغير من ظروفه وشروطه، فماذا يعني ذلك؟ ألا يعني أن طول عمر نوح والمهدى عليهما السلام على خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة، وبهذا تكون المعجزة عطلت قانونا طبيعيا في حالة معينة للحفاظ على حياة الشخص الذي أنيط به الحفاظ على رسالة السماء؟

الجواب: ليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة على عقيدة المسلم المستمدة من نص القرآن و السنة، فليس قانون الشيخوخة والهرم أشد صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساويان، وقد عطل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم عليه السلام حين كان الأسلوب الوحيد للحفاظ عليه تعطيل ذلك القانون، فقيل للنار حين ألقي فيها إبراهيم: "قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدا وَسَلاَما عَلَى إِبْرَاهِيمَ" (الأنبياء/ 69)، فخرج منها كما دخل سليما لم يصبه أذى، إلى كثير من القوانين الطبيعية التي عُطِّلَتْ لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله على الأرض، ففُلِق البحر لموسى، وشُبِّه للرومان أنهم قبضوا على عيسى ولم يكونوا قد قبضوا عليه، وخرج النبي محمد من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلّت ساعات تتربص به لتهجم عليه، فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم. كل هذه الحالات التي تمثل قوانين طبيعية عطّلت لحماية شخص كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ على حياته، فليكن قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين.

وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام، وهو أنه كلما توقف الحفاظ على حياة حجّة الله في الأرض على تعطيل قانون طبيعي، وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضرورية لإنجاز مهمته التي أُعِدّ لها، تدخلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لإنجاز ذلك. وعلى العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمّته التى أُعِدّ لها ربانيا فإنه سيلقى حتفه ويموت أو يُسْتَشْهَد وفقا لما تقرره القوانين الطبيعة.

س: كيف يمكن أن يتعطّل القانون الطبيعي، وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية؟ وهل هذه إلا مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي، وحدد هذه العلاقة الضرورية على أسس تجريبية واستقرائية؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير