تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الجواب: إن العلم نفسه قد أجاب على هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي. وتوضيح ذلك أن القوانين الطبيعية يكتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطَّرد وقع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة أخرى يُسْتَدَلّ بهذا الاطراد على قانون طبيعي، وهو أنّه كلما وُجِدت الظاهرة الأولى وُجِدت الظاهرة الثانية عقيبها، غير أنّ العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية. كما أن العلم لا يتحدث عن علاقة ضرورية، بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين. فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدى الظاهرتين عن الأخرى في قانون طبيعي لم يكن ذلك فصما لعلاقة ضرورية بين الظاهرتين.

والحقيقة أنّ المعجزة بمفهومها الديني قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظل وجهة النظر الكلاسيكية إلى علاقات السببية، فقد كانت وجهة النظر القديمة تفترض أنّ كلّ ظاهرتين اطرد اقتران إحداهما بالأخرى، فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة، والضرورة تعني أنّ من المستحيل أن تفصل إحدى الظاهرتين عن الأخرى. ولكن هذه العلاقة تحوّلت في منطق العلم الحديث إلى قانون الاقتران أو التتابع المطرد بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبية. وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطراد في الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أن تؤدي إلى استحالة. وأما على ضوء الأسس المنطقية للاستقراء فنحن نتفق مع وجهة النظر العلمية الحديثة في أن الاستقراء لا يبرهن على علاقة الضرورة بين الظاهرتين، ولكنا نرى أنه يدل على وجود تفسير مشترك لا طراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار. وهذا التفسير المشترك، كما يمكن صياغته على أساس افتراض الضرورة الذاتية، كذلك يمكن صياغته على أساس افتراض حكمة دعت منظم الكون إلى الربط ظواهر أخرى باستمرار. وهذه الحكمة نفسها تدعو أحيانا إلى الاستثناء فتحدث المعجزة". وتعليقنا هنا هو نفس تعليقنا السابق، وهو أنه لا يوجد قرآن ولا حديث يثبتان هذا الذى يقوله الشيخ، كما أنه لا يوجد أحدٌ شاهد المهدى فى سردابه الذى يختفى فيه حسب دعواهم. فأنَّى يراد للناس أن يؤمنوا به؟ لو كان الأمر بهذه البساطة لادعيت أنا مثلا أن أبى الذى مات فى طفولتى لم يمت فى الحقيقة، بل مختبئ فى مكان تحت بيتنا، وسوف يظهر فى مقبل الأيام. وهو، كما يرى القارئ، ادعاء سهل لا يكلف شيئا، لكن المشكلة كل المشكلة، بل الاستحالة كل الاستحالة، فى إثباته! ثم لماذا نقول مع الإمامية بأن المهدى المنتظر هو فلان وليس علانا أىّ علان من آل بيت النبى؟ فمعروف أن الشيعة منقسمون على سلسلة علىّ التى من حقها وراثته فى خلافة المسلمين، فلماذا ينبغى أن يكون الإمام المختفى هو محمد بن الحسن العسكرى وليس شخصا آخر من أحفاد علىّ كرم الله وجهه؟ بل لو افترضنا أننا سلمنا بأن هناك نصا فى الإسلام (أين؟ لاأدرى) يعين الخليفة بعد النبى بعلى كرم الله وجهه، أفهناك نص على أنها لا بد أن تستمر فى ذريته؟ وهل وراثة الحكم فى الإسلام مقبولة؟ أم إن الواجب تولى من تختاره الأمة فى انتخابات حرة مفتوحة؟ إن علماء الإسلام قد وصفوا ما فعله معاوية من توريث السلطان ليزيد بأنه جبرية وكسروية، فكيف يراد منا أن نقبل من علىٍّ ما أنكرناه على معاوية؟

وعندنا الغنائم، وهى عند الشيعة أوسع من أن تقتصر على غنائم الحرب، بل تشمل تلك مع غنائم الغوص، والكنز الذى يعثر الإنسان عليه، والمعدن المستنبط من الأرض، وأرباح المكاسب ... إلخ كما يوضح الدكتور محمد حسين الذهبى فى كتابه: "التفسير والمفسرون" لدى تعرضه لتلك النقطة أثناء تناوله لتفسير للطبرسى وكما سنرى ذلك بعد قليل فيما كتبه ذلك المفسر نفسه. يقول صاحب "مجمع البيان فى علوم القرآن" فى تفسير قوله تعالى فى الآية الحادية والأربعين من سورة "الأنفال": "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ": "اختلف العلماء فى كيفية قسمة الخُمس ومن يستحقه على أقوال: أحدها: ما ذهب إليه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير