تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأمر الثاني: أن علم العقيدة لا يستقى من كتب الردود التي يرد بها الأئمة على المخالفين، فلا ينبغي لطالب العلم أن يتعلم علم العقيدة من كتب الردود وهو لم يطلب ذلك العلم من وجهه، وعلى الطريقة التي طلبها أهل العلم رحمهم الله، فإغفال هذا الأمر ربما يودي بطالب العلم في بعض المزالق الخطيرة لا سيما إذا صاحب ذلك اعتداد بالرأي والفهم، وجرأة على المناقشة والرد.

وقد حدثنا أحد مشايخنا عن الشيخ الجليل عبد الرزاق عفيفي رحمه الله أنه كان عنده أحد الطلاب يتابع أسئلة السائلين الذين يسألون الشيخ فإذا أجابهم الشيخ قال الطالب للشيخ: فإذا كان الحال كذا وكذا؟

يفترض افتراضات على أسئلة السائلين!

فلما لاحظ الشيخ طريقته تلك قال له: ما هكذا يطلب العلم!

وصدق رحمه الله

وأما بالنسبة لكلام الإمام الشنقيطي فهو صحيح لا غبار عليه وأرى أن الانتقاد في غير محله

ومراده ظاهر لمن قرأ كلام الشيخ رحمه الله وعلم مراده من كثرة تناوله لهذه القضية منها ما هو مدون في كتبه المؤلفة ومنها ما هو مسجل في أشرطة تسجيل.

وأقول لأبي فهر: أتظن أن الشيخ لا يعلم أن اللفظة المفردة لا تعتبر جملة مفيدة؟

وهو من أئمة علم اللغة ومن كبار النحاة

فأولى بك أن تحاول فهم مراد الشيخ من قوله: بلا تقييد

وأنا أضرب لك مثالاً على ما لا يحتاج إلى تقييد:

فلو سألت صبياً من طلاب المرحلة الابتدائية: ما الأسد؟

لأجابك بقوله: إنه حيوان

وكذلك لو سألته: ما النمر؟ وما الهر؟

وهذا من الأساليب التي يتضح بها المعنى بلا قيد كما أشار إليه الشيخ بقوله: (ولا مانع من كون أحد الإطلاقين لا يحتاج إلى قيد والثاني يحتاج إليه؛ لأن بعض الأساليب يتضح فيها المقصود فلا يحتاج إلى قيد وبعضها لا يتعين المراد فيه إلا بقيد يدل عليه وكلاً منهما حقيقة في محله وقس على هذا جميع أنواع المجازات)

فهذا الصبي فهم المراد بهذه اللفظة عند إطلاقها في جملة مفيدة دون أن يقيد ذلك (بما يدل على أن المراد غيره)

ولو تأملت عبارة الشيخ هذه لكفتك عن تسطير هذا الاعتراض.

وعند إرادتك معنى الرجل الشجاع فيلزمك أن تجعل في الجملة ما يفيد المعنى الذي تريده وهو معنى قوله: (ومن أساليبها إطلاقه على الرجل الشجاع إذا اقترن بما يدل على ذلك)

ولعلي أضرب لك مثالاً آخر حتى يتضح مراد الشيخ أكثر

- جرى بيني وبين أحد طلاب العلم نقاقش حول قضية المجاز، وذكرت له كثرة اضطراب القائلين بالمجاز، وعدم اتفاقهم على ضابط محدد له يلتزمون فيه الطرد والعكس فللقائلين بالمجاز عدة أقوال في الضابط الذي يفرقون به بين الحقيقة والمجاز، وكلها مخرومة غير مستقيمة

- وإنما يرى أحدهم تطابق عدة أمثله على نسق واحد فيستنتج من ذلك ضابطاً يجعله قاعدة في التفريق بين الحقيقة والمجاز، ويبين خلل هذا الضابط بذكر عدة أمثلة لا تستقيم أبداً عليه

وكان من ضمن ما أوردته عليه قوله تعالى: (قال سنشد عضدك بأخيك) أحقيقة هو أو مجاز عندك؟

قال: بل هو قطعاً مجاز، ولا يجوز أن يكون حقيقة على ظاهره

قلت فما حقيقته عندك؟

قال: حقيقته، أنا سنربط أخاك على عضدك كما يربط الحبل ونشده على عضدك كما يشد الحبل!!!!

فنعيت عليه هذا الفهم!!

وقلت ألا تستحي أن تظن أن ظاهر كلام الله جل وعلا الذي هو محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يدل على هذا الهذيان، ثم تلتمس له أنت تأويلاً حتى تخرجه به من هذا المعنى الباطل

وهل فهم هذه الحقيقة أقحاح العرب وأساطين البلاغة والفصاحة الذين أنزل القرآن بلغتهم ولغتهم مستقيمة صحيحة لم يدخلها اللحن؟!!

وأنت تعلم أن الله تعالى تحدى بهذا القرآن الذين كانوا حريصين على الطعن فيه

فلو كانت تلك حقيقته لو جدوا في ذلك ما يطعنون به عليه أشد الطعن ويسخرون به تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً

فحقيقته هو معناه الذي يفهمه المخاطب، وهو كذلك مجازه عند من يستعمل لفظ المجاز من العلماء

وهذا الهذيان الذي ذكرته ليس بشيء حتى يعد حقيقة أو يعد مجازاً

فهذا الرجل فهم من معنى الشد شد الحبل

والعضد العضد الحسي الذي هو العضو

فركب من المعاني المفردة التي تراد بتلك الألفاظ عند الإطلاق معنى عجيباً غريباً عند التركيب يسخر منه من يسمعه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير