تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يُطبق النحاة طريقتهم في القياس ونظرية الأصل والصورة المعيارية على الدلالة وعلم معاني الكلام وبيانه =بأن ينظروا إلى اللفظ الوارد في الكلام العربي محل البحث فإذا كان التعبير عن المعنى الذي أراده المتكلم-كما فهموه هم- جاء بلفظ ألفوا هم واعتادوا أن يروه معبراً عن هذا المعنى وفق ما وقفوا هم عليه في استقرائهم لكلام العرب كان هذا اللفظ جارياً على الأصل موافقاً للقياس ... فكان عملهم معه إذا هو مجرد بيانه وتبيينه وزيادة تفسيره حسب .. وربما كان هذا بذكر نظائره في كلام العرب ...

أما إذا كان هذا اللفظ الذي عُبر به عن المعنى الذي فهموه غير مطروق أو معتاد عندهم التعبير به على هذا المعنى، ولم يألفوا هم فيما كونوا به صورتهم المعيارية من شواهد الكلام العربي=أن يُعبر به عن هذا المعنى، بل وجدوا أن هذا المعنى يُعبر عنه بألفاظ أُخر= فإنهم عندئذ ينزعون إلى بيان ماكان ليكون عليه الكلام لو جاء على الصورة المعيارية التي وضعوها ويحدث هذا عندهم بذكر ما يُعبر به من الألفاظ عن هذا المعنى فيما اعتادوه من كلام العرب.

وأنت إذا تأملت في الأمثلة جميعها =لوجدت أن الألفاظ التي أراد أن يشرحها أبو عبيدة بقوله: ((مجازه)) ليست مما أُلِف أن يعبر به عن تلك المعاني في كلام العرب، سواء في ذلك لفظ القرآن على معنى الجمع والضم، ولفظ الاستواء، و .... إلخ.

ولذا يعمد أبو عبيدة إلى ذكر مجاز هذه الألفاظ وهو عنده: الألفاظ التي لو عُبر بها هاهنا لكان الكلام جارياً على الأصل المعياري غير مخالف للقياس.

ولنترك أبا عبيدة ولنذهب إلى شيخ كبير آخر وهو المبرد صاحب ((المقتضب)) في قوله: ((والكلام يكون له أصل، ثم يتسع فيه فيما شاكل أصله، فمن ذلك قولهم: ((زيد على الجبل)) وتقول: ((عليه دين)) فإنما أرادوا أن الدين ركبه وقد قهره)) (1/ 46).

فأنت ترى كيف أن قولهم: ((عليه دين)) هو عنده كلام على خلاف القياس وخلاف الأصل؛لأن ذلك المعنى لا يُعبر عنه بهذا التعبير ((عليه دين))،وكيف جعل هذا التعبير من الاتساع والخروج عن الأصل.

ولولا ذكره للفظي الأصل والاتساع لظن الظانون أنه إنما يريد مجرد تفسير عبارة: ((عليه دين)) بما ذكره من تفسير ...

وكذا أبو عبيدة لم يُرد مجرد التفسير ولم يستعمل لفظة المجاز للدلالة على التفسير أو مجرد ما يُعبر به عن الآية .. وإنما أراد بيان الوجه الذي يكون عليه الكلام ليكون موافقاً لقياس العربية.

كلُ ذلك يُبين أن شرح شيخ الإسلام لكلام أبي عبيدة غير صحيح ذلك أن شرح شيخ الإسلام يحتمل معنيين:

الأول: أن كلمة المجاز تعني التفسير والشرح وهو بهذا خطأ محض على ما أريناك فليس التفسير هاهنا من وكد أبي عبيدة.

الثاني: أن يكون شيخ الإسلام أراد ما وضحنا من مراده ما يعبر به عن الآية من الكلام الموافق لقياس العربية وفي هذه الحالة يكون كلام الشيخ صحيحاً ويداخله الخلل من جهة الإجمال وعدم البيان ... وإن كنت أرى بعد هذا الاحتمال جداً؛ لأن عبارة: ((ما يعبر به عن الآية)) إنما يتضح وضعها بالتمام الذي ذكرتُه حين يكون محل بيان موافقة القياس هو في المستوى الدلالي ... أما حين يكون محل بيان وجه موافقة القياس هو تقدير الحذف أو الإضمار فإن استعمال هذه العبارة ((ما يعبر به)) وإن جاز فإنه يكون ثقيلاً جداً .. ولا أظن أن يقصده شيخ الإسلام ويعبر عنه بهذا التعبير المجمل ...

بل الأقرب عندي أن الشيخ اطلع على الأمثلة التي من جنس ما ذكره الشيخ مساعد فأداه نظره إلى الحمل على معنى التفسير ... وعلى كل حال فكلام الشيخ مجمل جداً ... وهذا الإجمال وحده عيب في كلامه هاهنا ... ولعل له عذراً وأنت تلوم ..

تنبيه مهم: كل ما تقدم إنما هو شرح لطريقة القوم، وإلا فالذي أدين الله تعالى به أن ذلك القياس النحوي كله وهم وتقدير، واللفظ الذي يذكره النحاة ليس مساوياً للمعنى الذي أراده المتكلم، ولكنه مساو للمعنى الذي ظن النحاة أن المتكلم أراده، وليس هو بلسان المتكلم، ولكنه بلسان أولئك النحاة، واللفظ المساوي للمعنى الذي أراده المتكلم هو لفظه الذي نطق به، ولسان العرب هو ما تكلمت به العرب وليس ما يزعم النحاة أنه كان عليهم أن يتكلموا به، وهذا القياس النحوي مستمد من المنطق الصوري الأرسطي،وكان جل من أحدثوه وزادوا فيه بل وجعلوه هو النحو وهو علم العربية=من أئمة المعتزلة كالأخفش وأبي عبيدة ومن بعدهم كالرماني وأبي علي ومن بعدهم كابن جني، ومحمد بن الحسن الفارسي وعنه أخذ عبد القاهر الجرجاني ..

وذلك النحو الأعجمي اليوناني هو الذي جرَّأ النحاة المعتزلة على كتاب الله ولسان العرب، فجعلوا فيه زيادة ونقصاً، وتقديماً وتأخيراً، وكل ذلك ليس في كتاب الله ولا في لسان العرب،ولكنه في أوهام أولئك النحاة، ولا يقال لشئ –كلام ولا غيره-إن في زيادة ونقصاً إلا أن يُقاس على غيره،وأولئك النحاة قاسوا كلام العرب على كلامهم الذي أحدثوه فصار الواحد منهم يعمد إلى الآية من كتاب الله، فيقول: معناها كذا وكذا، وأراد الله بها كذا وكذا، ولعل هذا الذي زعم أنه مراد الله =شئ لم يقل به أحد من الصحابة أو التابعين وتابعيهم، وهم كانوا أفقه منه، وأعرب قلوباً وألسنة ... والله وحده المستعان على رفع هذا البلاء.

مصادر للتوسع: ((اللغة بين المعيارية والوصفية))،و ((مناهج البحث في اللغة))،و ((الأصول)) جميعها لتمام حسان، و ((المنوال النحوي العربي)) عز الدين المجذوب، و ((ضوابط الفكر النحوي)) لمحمد الخطيب (2/ 244)،و ((المنطق الصوري والرياضي)) لعبد الرحمن بدوي (ص/38).

تنبيه: لا أزعم أن أفكاري بحروفها مستمدة من هذه المصادر؛ فقد ضللت إذاً حين أدلس هذا التدليس؛ وإنما في هذه المصادر أصول الفكرة وشئ منها وخلت من أشياء أخر هي من كيسي ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير