تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن البحث المتواصل في هذا الشأن سيفضي في النهاية وبدون شك للتوصل إلى" أصول التفسير" في حلة جديدة كما قال الأستاذ الجيلالي المريني:" كما أن تكثير الاهتمام بقواعد التفسير، تقعيدا وتأصيلا، ودراسة، وتحليلا، وتحريرا، وتأكيدا على وجوب الالتزام بها، وتحذيرا من مغبة مخالفتها، وتشنيعا على كل تفسير لا يقوم عليها، يساعد على العودة إلى المنهج العلمي السليم، ويقلل من الاختلاف في فهم القرآن، كما يجعل التفسير موزونا بميزان الله ويفتح السبل أمام المتخصصين للدفاع بعجلة ا لبحث في هذا المضمار.

ولا غرابة في ذلك مادام الإنسان قادرا على الإبداع، بتحويل الأفكار من عالم البساطة إلى عالم الأفكار المركبة، ومن عالم الأفكار المجردة إلى عالم المادة المحسوس.

وإذا كان لكل عالم أصوله وقواعده التي تؤطر تفكيره، فالتفسير كذلك له أصوله لذلك قال الأستاذ محمد أبو زهرة:" إن الترتيب المنطقي للأمور ليقضي بأن القواعد الأصولية سابقة في الوجود على الفقه".

والمتتبع لمجموعة من العلماء يجد أن الكثير منهم يعتبر أصول الفقه منهجا فعالا في تفسير كتاب الله جل وعلا، فهذا الإمام محمد بن أحمد بن جزئ الغرناطي (ت292هـ=741م) يقول:" وأما أصول الفقه فإنها من أدوات تفسير القرآن على أن كثيرا من المفسرين لم يشتغلوا بها، وإنها لنعم العون على فهم المعاني وترجيح الأقوال. وما أحوج المفسرين إلى معرفة النص، والظاهر، والمجمل، والمبين، والعام، والخاص، والمطلق، والمقيد، وفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب، وشروط النسخ، ووجوه التعارض، وأسباب الخلاف، وغير ذلك من علم الأصول".

ولمعرفة أهمية الأصول- بشكل جيد- ودورها في ترشيد الفهم قال الإمام أحمد بن تيمية:" لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية تُرَدُّ إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؟ وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم".

أما الإمام الطاهر بن عاشور فيؤكد ما أشار إليه ابن جزئ من عدم إعمال أصول الفقه عند بعض المفسرين حيث يقول:" وأما أصول الفقه فلم يكونوا يعدونه من مادة التفسير، ولكنهم يذكرون أحكام الأوامر والنواهي، والعموم، وهي من أصول الفقه، فتحصل أن بعضه يكون مادة للتفسير، وذلك من جهتين: إحداهما: أن علم الأصول قد أودعت فيه مسائل كثيرة هي من طرق استعمال كلام العرب وفهم موارد اللغة أهمل التنبيه عليها علماء العربية. مثل مسائل الفحوى ومفهوم المخالفة، وقد عدَّ الغزالي علم الأصول من جملة العلوم التي تتعلق بالقرآن وبأحكامه فلا جرم أن يكون مادة للتفسير.

الجهة الثانية: أن علم الأصول يضبط قواعد الاستنباط ويفصح عنها فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعية من آياتها".

وقد صنف علماء الإسلام مصنفات في أصول التفسير كما قال الأستاذ لطفي الصباغ:" أصول التفسير مبحث مهم تفرقت موضوعاته في مقدمات بعض المفسرين وفي كتب أصول الفقه، وأشهر الذين أفردوه من المتقدمين ابن تيمية في رسالة خاصة طبعت بعنوان" مقدمة في أصول التفسير"، وأفرده بتأليف من المتأخرين العلامة الشيخ عبد الحميد الفراهي من علماء الهند وترك رسالة عنوانها" التكميل في أصول التأويل"، يقول في مقدمتها:" ولم نحتج إلى تأسيس هذا الفن لترك العلماء إياه بالكلية، فإنك تجد طرفا منه في أصول الفقه ولكنه غير تمام"

والبحث في أصول التفسير مازال متسعا لمزيد من الدراسة والتأليف ".

هذا التأكيد والإلحاح على أهمية بناء" أصول التفسير" الذي له علاقة قوية بـ" أصول الفقه " يدل دلالة قوية، على ضرورة اعتماد" أصول الفقه" في التفسير بمنهجية خاصة تراعي وتأخذ بعين الاعتبار خصوصية التفسير الذي يختلف عن الفقه في بعض القضايا:" ولقد كان بإمكان علماء الأصول أن يوفروا هذا الأمر حقه من الدراسة لكنهم اقتصروا على ما تعلق بهم، وهو ما انبنى عليه أحكام، وتركوا البقية لغيرهم ... وهذه أهم ملاحظة وهي أن جهد الأصوليين إنما ركَّز على جانب الأحكام وبقية جوانب أخرى لم يهتم بها علماء الأصول ... ونحن في ذلك بحاجة إلى الاهتداء بصنيع علماء الأصول مع الاحتفاظ بخصوصية كل شعبة من شعب القرآن".

والأستاذ الجيلالي المر يني قد اعتبر مبحث " الدلالة مبحث هام ينبغي اعتماده كمنهج مجرب عند الأصوليين، بالإضافة إلى اتصافه بالدقة على مستوى استنباط الأحكام الشرعية إن أحسن استخدامه، وفي ذلك يقول:" إن الأصول- أي أصول الفقه- ما كانت وما صيغت إلا لخدمة كتاب الله، وتفسير كتاب الله تفسيرا شرعيا علميا وفق ميزان الله، وخصوصا القواعد الأصولية اللغوية التي لها ارتباط وثيق باللسان العربي"، ويعضد الأستاذ قوله بنص ورد في " الموافقات" للإمام الشاطبي حيث يقول:" فإن قلنا إن القرآن أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها، وإنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، والظاهر يراد به غير الظاهر، وكل ذلك يعرف من أو الكلام أو وسطه أو آخره، وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره، وآخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة، وتسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل هذا معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي ولا من تعلق بعلم كلامها".

والذي سبق له الاطلاع على الرسالة للإمام الشافعي t ( ت204هـ) يجد الشاطبي قد اقتبس هذا النص من كتاب" الرسالة" حيث قال الإمام الشافعي:" فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها، على ما تعرف من معانيها ... إلى قوله:" وتسمي بالاسم الواحد المعاني الكثيرة"

فالمقصود من وضع علم " أصول الفقه" منذ البداية، أي مع الشافعي t هو معرفة معاني القرآن الكريم، لهذا السبب ينبغي الشروع في الأخذ بما يلائم التفسير منه، وترك ما عداه لهذا قال الأستاذ الجليل حميد الوافي بوضع" نظرية الظاهر" وهي في الحقيقة خطوة جدية من الأستاذ الفاضل من أجل إكمال وبناء صرح هذا الفن العزيز على قلوب المسلمين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير