وأما الملك العظيم الذي آتاه الله آل إبراهيم فإنما مضى نفاذه في آل إسحاق وهو الملك العظيم الذي أوتيه طالوت وداوود وسليمان ولا يزال الوعد بالملك العظيم منتظرا لم يقع نفاذه وسيقع في آل إسماعيل ليتم نفاذ وعد الله في قوله ? فاصبر إن العاقبة للمتقين ? وكما بينته في كلية خلافة على منهاج النبوة وفي كلية الآيات، وكما سيأتي بيانه مفصلا في بيان القرآن في قوله ? رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ? هود 73 تلك النبوة التي نبّأت بها رسل ربنا إبراهيم ولا يزال الوعد بها منتظرا كما بيّنه النبي الأمي ? بقوله في الحديث الصحيح "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " وهو في الستة من حديث كعب ابن عجرة، وفي رواية أن بشير ابن سعد قال للنبي ? أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله حتى تمنينا أنه لم يسأله.
قلت: وصدق النبي ? الذي قال " فرب مبلغ أوعى من سامع " إذ لم يفهم السامعون فمن بعدهم إلى يومنا هذا وكما سيأتي تفصيله في مواضعه من "تفصيل الكتاب وبيان القرآن " والله المستعان.
وأما ملاحظتك الثامنة في موضوع النبوة وهي قولك " وتخبرني الفرق بين النبإ والخبر، ولماذا لفظ النبي يستعمل للبشر والخبير من أسماء الله؟ هذا السؤال حتى لا تقول إن النبأ هو الخبر العظيم!! ولا تنس أن هناك نبأ عظيم أيضا.
وأقول هذه ليست ملاحظة على ما كتبت في البحث ولكن الفرق بين النبإ والخبر جلي وذاك أن النبأ يعني الإخبار بالغائب من العلم عن المنبإ به وأكثر ما يقع على الغيب المنتظر ومنه قوله تعالى ? وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ? سبأ 7 يعني أنه قد نبّأهم أنهم مبعوثون من بعد الموت ولقد فصلته في باب النبوة وسيأتي تفصيله أكثر في عرض التفسير وطوله، وأما الخبر فلم يتناوله ما نشر من البحث وقبل ذلك لعلنا نستعين عليه بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي ? ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي ? فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال " يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله ? الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال فأخبرني عن الإيمان؟ قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان؟ قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال فأخبرني عن الساعة؟ قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال فأخبرني عن أماراتها؟ قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال يا عمر أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. رواه مسلم.
ويلاحظ أن جبريل طلب الإخبار ولم يسأله أن ينبئه وليس شيء من ذلك من العلم الغائب عن جبريل رسول رب العالمين إلى الرسل والنبيين.
ومرة أخرى استغرب سؤالك وأنت تقول " هذا السؤال حتى لا تقول إن النبأ هو الخبر العظيم ولا تنس أن هناك نبأ عظيم أيضا" اهـ بلفظك
وأقول وما عليك لو قلت ما أشاء ? ولا تكسب كل نفس إلا عليها ? ولست مؤاخذا بما أقول ولست وكيلا عليّ أو حفيظا مكلفا أن لا أقول إلا ما يرضيك أنت.
وأقول إني فيما قرأت وسمعت إلى يومي هذا لم أسمع قبلك بالخبر العظيم بل أنت أول من أخبرني به، ثم ما هذا الحجر وما هذا الأسلوب؟ وإنني لم أنس أن هناك ينتظرنا نبأ عظيم كما وعد الله في القرآن وغاب الاستعداد له عن الناس وانشغلوا عنه، فلا تعجل سيأتيك تفصيله وبيانه من القرآن.
وأما ملاحظتك الأخيرة فهي الأكثر جدية الأبعد عن الهزل من التي قبلها والأقرب إلى تدبر القرآن والتي تدل على الفطنة وهي قولك "ثم إن الكتاب في صياغته شيء ما ? ثم إن علينا بيانه ? فبيانه بنص القرآن على من ... اهـ
إن قولك " ثم إن الكتاب " اهـ تعني تفسيري من تفصيل الكتاب وبيان القرآن" أو ما نشر من مقدمته ولا يلتبس عليّ بلفظ الكتاب المنزل حاشا فبحثي وتفسيري اجتهاد من قاصر متعلم تدارس القرآن وتدبره ولا يزال.
وأما قولك " في صياغته شيء ما " فهي كلمة في غاية التعقل والدراية وإني لم أدّع أن تفصيلي وبياني هو منزل، أعوذ بالله من الكفر والردة بل هو هروب من أن أكون من الذين يكتمون البينات والهدى في القرآن كما في قوله ? إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ? البقرة 159 ويعني أن الله قد بيّن للناس الكتاب المنزل على النبي الأمي ? كما هي دلالة قوله ? من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ? وأن ذلك البيان قد يخفى على الناس أو بعضهم وتوعد الله الذين تبيّنوه أي فقهوه ودروه بالتدبر والدراسة أن يكتموا البينات والهدى في الكتاب المنزل عن الذين لم يفقهوا منه بيناه وهداه.
إن تفصيل الكتاب المنزل كما في قوله ? وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ? الأنعام 114 وقوله ? ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم ? الأعراف 52 ليعني أن الكتاب المنزل على النبي الأمي ? قد تضمن تفصيل كل شيء موعود من الله نبّأ به النبي الأمي ? سيقع بعد نزول القرآن ولأنه يخفى على غير الذين يتدبرون القرآن ويتدارسونه فقد عزمت منذ سبع سنين على كتابة تفسيري لأقرب الناس مما هو مفصل في الكتاب ومبين في القرآن، وليس تفسيري هو تأويل قوله ? ثم إن علينا بيانه ? القيامة 19 بل أثبتّ في كلية الكتاب أن من ادعاها فهو مجنون لا يعرف ما يقول غير أنها من الموعود المنتظر وسيعلمه الناس رأي العين ونبي الله عيسى بن مريم بين أظهرهم، عفوا لن أتعجل من التفسير والله الموفق.
الحسن محمد ماديك
¥