تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إحداهما: نظم كل جملة على حيالها بحسب التركيب.

والثانية: نظمها مع تاليتها بالنظر إلى الترتيب. والأول أقرب تناولاً وأسهل ذوقاً؛ فإن كل من سمع القرآن من ذكي وغبي يهتز لمعانيه وتحصل له عند سماعه روعة بنشاط مع انبساط لا تحصل عند سماع غيره، ثم إذا عبر الفطن من ذلك إلى تأمُّل ربط كل جملة بما تلته وما تلاها خفي عليه وجه ذلك، ورأى أن الجمل متباعدة الأغراض متنائية المقاصد، فظن أنها متنافرة، فحصل له من القبض والكرب أضعاف ما حصل له بالسماع من الهزّ والبسط، ربما شككه ذلك وزلزل إيمانه؛ فإذا استعان بالله وأدام الطرق لباب الفرج بإنعام التأمل وإظهار العجز والوقوف بأنه في الذروة من إحكام الربط كما كان في الأوج من حسن المعنى، فانفتح له ذلك الباب، ولاحت له من ورائه بوارق أنوار تلك الأسرار رقص الفكر منه طرباً وشاط لعظمة ذلك جنانه، ورسخ من غير مرية إيمانه" (7).

أول من أظهره، وأهم المؤلفات فيه:

يعد العلماء أبا بكر النيسابوري (ت 324هـ) أول من أظهر علم المناسبات في بغداد، وكان يزري على علماء بغداد لجهلهم وجوه المناسبة بين الآيات، وكان إذا قرئت عليه آية أو سورة يقول: لِمَ جُعلت هذه الآية إلى هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة (8).

وهذه الأولية إنما هي باعتبار شدة العناية والتعليم؛ وإلا فالمتتبع لتفاسير السلف حتى من الصحابة يجدهم يتحدثون أحياناً عن المناسبات في بعض المواطن وإن كانت قليلة.

وقد ذكرنا آنفاً كلمة ابن العربي حين تكلم في هذا العلم وشكواه من بطالة النقلة.

أما المؤلفات فيه فهي على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: من أفرده بالتصنيف، ومن أشهرهم:

1 - أبو جعفر بن الزبير الأندلسي (ت 807 هـ) في كتابه: "البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن".

2 - السيوطي (ت 911 هـ) في كتابه: "تناسق الدرر في تناسب السور".

3 - عبد الله الغُمَاري في كتابه: "جواهر البيان في تناسب سور القرآن".

وأعظم من كتب في هذا العلم وأشفى على الغاية القصوى فيه، وغدا مرجعاً لا يستغنى عنه فيه هو برهان الدين البقاعي (ت 885 هـ) في كتابه: "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" حيث ذكر المناسبات بين آيات القرآن وسوره كلها وبلغ كتابه اثنين وعشرين مجلداً.

القسم الثاني: الذين جعلوه نوعاً من علوم القرآن الكريم وتحدثوا عنه في باب من كتبهم، ومن أشهرهم:

1 - الزركشي في كتابه: "البرهان في علوم القرآن" فقد جعله النوع الثاني من كتابه الكبير.

2 - السيوطي في كتابه: "الإتقان" وقد جعله في النوع الثاني والستين.

القسم الثالث: المفسرون الذين عُنُوا بذكر المناسبات في تفاسيرهم، ومن أشهرهم:

1 - الفخر الرازي في تفسيره الكبير: "مفاتيح الغيب".

2 - أبو السعود في تفسيره: "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم".

3 - سيد قطب في كتابه: "في ظلال القرآن" حيث كان يفتتح تفسير السورة بذكر موضوعها العام، ثم يربط بين مقاطع السورة على ضوء ما ذكره من موضوعها وجوّها العام.

فوائد هذا العلم: لهذا العلم فوائد، ومن أهمها:

1 - أنه يزيل الشك الحاصل في القلب بسبب عدم التأمل في دقة النظم وإحكام الترتيب، وقد تقدم كلام البقاعي في هذه القضية (9).

2 - أنه يفيد في معرفة أسرار التشريع وحِكَم الأحكام وإدراك مدى التلازم التام بين أحكام الشريعة؛ فإذا قرأت قوله ـ تعالى ـ: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم)) [{النور: 30]} وتعرفت على المناسبة بين الأمر بغض البصر وحفظ الفرج علمت ما بينهما من التلازم والتلاؤم؛ فحفظ الفرج لا يتم إلا بغض البصر، ومن أطلق بصره في الحرام فحري أن تزلَّ قدمه في الآثام.

3 - أنه يعين على فهم معنى الآيات وتحديد المراد منها، ومن ذلك: خلاف المفسرين في معنى قوله ـ تعالى ـ: ((والصافات صفا)) [الصافات: 1] فقال قوم: هي الملائكة، وهذا قول الجمهور، وقال آخرون: هي الطير، والصحيح الأول؛ وذلك لأنا لو بحثنا عن المناسبة بين أول السورة وخاتمتها لوجدناه ذكر في الخاتمة في معرض حديث الملائكة عن أنفسهم: ((وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون)) [الصافات: 165، 166]}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير