تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثاً: المناسبة بين حكمين في الآيات أو الآية:

وذلك كما في آيات الاستئذان حين أعقبها بالأمر بغض البصر؛ فإن الاستئذان إنما جعل من أجل أن لا يقع بصر المستأذن على عورة، ولو صادف أن وقع فإن على المستأذن أن يغض البصر، ثم إن العلاقة بين الحكمين بيِّنة؛ إذ فيهما ذكر ما تكون به العفة وحفظ العورات في المجتمع المسلم.

والمناسبة بين الأمر بحفظ الفرج والأمر بغض البصر تقدمت ـ فيما سبق ـ، وهما حكمان في آية واحدة.

رابعاً: المناسبة بين اسم السورة ومضمونها:

مثاله: المناسبة بين مضمون سورة الكهف واسمها؛ فإن السورة قد ذكرت أنواع الفتن التي تمر بالمرء؛ إذ ذكرت فيها الفتنة في الدين في قصة الفتية، وفتنة الجلساء في قوله: ((واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ... )) [{الكهف: 28]}، وفتنة المال في قصة صاحب الجنتين، وفتنة العلم في قصة موسى والخضر، وفتنة السلطان في قصة ذي القرنين، وفتنة القوة والكثرة في خبر يأجوج ومأجوج، وذكرت هذه السورة المخرج من كل واحدة من هذه الفتن؛ فكأنها كهف لمن اعتصم بها من الفتن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال" (15).

النوع الثاني: المناسبات بين السورتين: ويتضمن أقساماً منها:

أولاً: المناسبة بين فاتحة السورة وخاتمة التي قبلها:

مثاله: في آخر سورة الإسراء قال تعالى: ((وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ... )) [{الإسراء: 111]}، وفي أول سورة الكهف التي تليها قال: ((الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ... )) [{الكهف: 1]}.

مثال آخر: في آخر سورة الطور قال: ((ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم)) [{الطور: 49]}، وفي أول سورة النجم قال: ((والنجم إذا هوى)) [{النجم: 1]}.

ثانياً: المناسبة بين مضمون السورة والتي تليها:

مثاله: في سورة الضحى ذكرٌ للنعم الحسية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سورة الشرح ذكر للنعم المعنوية عليه.

مثال آخر: في سورة البقرة ذكر للطوائف الثلاث: المنعم عليهم ويمثلهم المسلمون، والمغضوب عليهم ويمثلهم اليهود، والضالون ويمثلهم النصارى. وقد ذكر في سورة البقرة الطائفتين الأوليين بما هو ظاهر، وفي سورة آل عمران ذكر الطائفة الثالثة فيما يزيد على "120" آية من أولها.

النوع الثالث: مناسبات عامة:

وهي المناسبات التي يذكرها العلماء مطلقة في القرآن وهي كثيرة جداً أذكر منها نموذجاً للبيان.

- افتُتحت سورتان بقوله: يا أيها الناس وهما: سورتا النساء، والحج، وذكر في الأولى بدء الخلق والحياة للإنسان: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء)) [{النساء: 1]}، وفي سورة الحج ذكر لنهاية هذه الحياة وبداية حياة أخرى: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم)) [{الحج: 1]}.

شبهة وجوابها:

قد يقول قائل: كيف تطلب المناسبات بين الآيات والسور علماً بأنها نزلت مفرقة كل واحدة منها في زمن يخالف زمن الأخرى، وفي قضية مغايرة لمضمون ما جاورها؟ وقد أجاب عن هذا التساؤل الزركشي فيما نقله عن بعض مشايخه المحققين فقال: "قد وهم من قال: لا يطلب للآية الكريمة مناسبة؛ لأنها على حسب الوقائع المتفرقة؛ وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلاً وعلى حسب الحكمة ترتيباً؛ فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف" (16).

ويزيد هذا الجواب إيضاحاً الشيخ محمد عبد الله دراز فيقول: "إن كانت بعد تنزيلها جمعت عن تفريق فلقد كانت في تنزيلها مفرقة عن جمع، كمثل بنيان كان قائماً على قواعده فلما أريد نقله بصورته إلى غير مكانه قدرت أبعاده ورقمت لبناته ثم فُرِّق أنقاضاً، فلم تلبث كل لبنة أن عرفت مكانها المرقوم، وإذا البنيان قد عاد مرصوصاً يشد بعضه بعضاً كهيئته أول مرة" (17).

وبعدُ ـ أخي القارئ ـ فهذه كلمات وجيزة أردت بها تعريفك بعلم تفيدك معرفته والاطلاع على حقيقته، واللهَ أسأل أن أكون موفقاً في بلوغ الهدف وتحقيق المقصود.

الهوامش:

(1) الإتقان للسيوطي،2/ 139.

(2) انظره في: البرهان، للزركشي، 36، والإتقان 2/ 138.

(3) البرهان: 35.

(4) البرهان:36، وانظر الإتقان: 2/ 136.

(5) انظر البرهان: 35.

(6) نظم الدرر: 1/ 9، والإتقان:2/ 138.

(7) نظم الدرر: 1/ 10ـ12.

(8) أنظر: البرهان، للزركشي: 36.

(9) انظر أيضا: البرهان:36.

(10) انظر: نظم الدرر: 1/ 14.

(11) نقله السيوطي في الإتقان 2/ 141 عن بعض المتأخرين.

(12) نظم الدرر:1/ 6.

(13) البرهان:40.

(14) انظر: مباحث في التفسيرالموضوعي: 68وما بعدها.

(15) رواه مسلم، ح/809.

(16) البرهان:37.

(17) مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، 57.

المصدر Cd مجلة البيان

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[23 May 2006, 10:18 ص]ـ

- نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم في كتاب الأساس في التفسير ( http://tafsir.org/books/open.php?cat=88&book=924) للدكتور أحمد الشرقاوي.

- موقف الإمام الشوكاني من المناسبات ( http://tafsir.org/books/open.php?cat=90&book=859) للدكتور أحمد الشرقاوي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير