2 - أن ما كتبه المتقدمون وبعض المعاصرين ليس في موضوع قواعد التفسير بل في علوم القرآن ككتاب (التيسير في قواعد علم التفسير) للكافِيَجي، وقد يشتمل على بعض قواعد التفسير كما في بعض الكتب المعاصرة.
3 - اختلاط هذا العلم بعلم أصول الفقه، وتداخل بعض المسائل بينهما، حتى أصبح تعداد قواعد الأصول ضمن قواعد التفسير أمرٌ معهود عند من كتب في قواعد التفسير.
بعد ما سبق يتبين أن هذا المصطلح بحاجة إلى تحرير وضبط ومراجعة حتى تنضبط مسائله ومفرداته.
أولاً: تعريف القاعدة:
القاعدة في اللغة بمعنى الاستقرار والثبات، وأقرب المعاني إلى المراد في معاني القاعدة هو الأساس، نظراً لابتناء المعاني عليها كابتناء الجدران على الأساس (1).
وأما في الاصطلاح:
فإن معنى القاعدة ليس مختصاً بعلم بعينه، وإنما هو قدرٌ مشترك بين جميع العلوم.
وعرفها بعضهم بقوله: " القواعد: القضايا الكلية " (2).
والقضايا: جمع قضية: وهي في اصطلاح المناطقة: (قول يصح أن يقال لقائله إنه صادق فيه أو كاذب) (3).
والكلية: أي المحكوم على جميع أفرادها (4).
قال الدكتور يعقوب الباحسين: " فيبدو لنا ـ والله أعلم ـ أنه يكفي في تعريف القاعدة أنها: قضية كلية، كما جاء في تعريف صدر الشريعة ... كما أن القضية لا يمكن أن تكون كلية إلا وهي منطبقة على جميع جزئياتها. وبناء على ذلك يمكن القول: إن كل قضية كلية هي قاعدة، أياً كان مجالها. فقولنا: كل شاعر مرهف الحسِّ، قضية كلية محكوم فيها على كل أفراد موضوعها، فهي قاعدة ... وهكذا يمكن إجراء هذا على كلِّ قضية من هذا القبيل، والله أعلم" (5).
إذا عُلم معنى القاعدة وأنها قضية كلية، فإننا إذا أردنا أن نحصرها بميدان معين قيدناها به، فنقول: قضية كلية نحوية، وقضية كلية فقهية، وقضية كلية تفسيرية.
ثانياً: تعريف التفسير:
إن إضافة القواعد إلى التفسير، هو ما يحدد هذه القواعد ويميزها عن غيرها من القواعد، ولو كانت قواعد التفسير هي قواعد الأصول ـ أصول الفقه ـ لما كان لهذه الإضافة من معنى، فكما نجد أن إضافة القواعد إلى الفقه قد أخرجتها عن قواعد أصول الفقه؛ فإنه ينبغي أن تكون إضافة القواعد إلى التفسير أو العقيدة أو النحو ذات دلالة في مسائل ذلك العلم وما يدخل تحته، وينبغي أن تكون مخرجة له عن قواعد أصول الفقه، بحيث لا ينطبق العلمان، وكما نجد أن مصطلح التفسير مغاير لمصطلح أصول الفقه، كذلك ينبغي أن تكون قواعد كل علمٍ مختلفة عن قواعد العلم الآخر.
وتعريف التفسير عند العلماء مشهور ويمكن ـ باختصار ـ أن نقول: إن هناك اتجاهين في تعريف التفسير:
الأول: من عمم معنى التفسير، كما قال أبو حيان: " التفسير: علم يُبْحثُ فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تُحْمَل عليها حال التركيب وتتمات ذلك" (6).
وكما قال الزركشي: " علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه" (7).
الثاني: من خص التفسير بالبيان فقط، وهو منهج عدد من المعاصرين منهم الشيخ ابن عثيمين والشيخ مناع القطان رحمهما الله، والدكتور مساعد الطيار وفقه الله.
ولا شك أن اختيار أحد التعريفين مؤثر جداً في تحديد قواعد التفسير، فإذا كان التفسير بمعنى البيان فقط، فلا شك أن قواعد بيان القرآن، تُعد أقل من قواعد التفسير على المعنى الآخر إذ يدخل على ما ذكره أبو حيان والزركشي قواعد النطق بألفاظ القرآن وقواعد الدلالات وغير ذلك.
وعلى كلا الاتجاهين في تعريف التفسير؛ فإن قواعد التفسير ينبغي أن تكون مختصة بالتفسير، كما اختصت قواعد الفقه بعلم الفقه، وكما اختصت قواعد النحو بعلم النحو، وهلم جرا.
ثالثاً: تمييز علم التفسير عن علم أصول الفقه:
فعلم التفسير هو أحد علوم القرآن، وقد ذكر العلماء اشتراط العلم بأصول الفقه للمفسِّر، لكن الملاحظ أنه قد وجد تداخل بين قواعد التفسير وقواعد أصول الفقه.
وهذا الأمر لم يقع بهذا الحجم بين علم قواعد الفقه وعلم أصول الفقه.
فلماذا كان الاشتراك كبيراً بين قواعد التفسير، وقواعد أصول الفقه، وهل يُسَوِّغُ ذلك أن القرآن هو مصدر جميع العلوم.
يمكن تحليل الجواب على ذلك بتأمل ما يلي:
¥