وتعليقاً على ما ذكره الشيخ حول المرحلة الأولى - وهي المتعلقة بالأصل الاشتقاقي - أقول: إن معرفة أصل الكلمة الاشتقاقي له أهمية كبيرة في معرفة المعنى الصحيح للفظ، لأن كثراً من الكلمات متقاربة في أصلها فلا بد من التفريق بين المتقاربات حتى يزول اللبس، ويعرف المعنى الصحيح.
وأضرب لذلك مثالاً - وانتظر تعليق الشيخ مساعد عليه إذا رغب في ذلك -، وهو نص نفيس لابن القيم رحمه الله وهو يتكلم عن خلاف السلف في معنى (القرء) قال ما نصه:
(وقولكم: إن القرء مشتق من الجمع، وإنما يجمع الحيض في زمن الطهر. عنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أن هذا ممنوع، والذي هو مشتق من الجمع إنما هو من باب الياء من المعتل، من قرى يقري، كقضى يقضي، والقرء من المهموز بنات الهمز، من قرأ يقرأ، كنحر ينحر،
وهما أصلان مختلفان فإنهم يقولون: قريت الماء في الحوض أقريه، أي: جمعته، ومنه سميت القرية، ومنه قرية النمل: للبيت الذي تجتمع فيه، لأنه يقريها، أي: يضمها ويجمعها.
وأما المهموز، فإنه من الظهور والخروج على وجه التوقيت والتحديد، ومنه قراءة القرآن، لأن قارئه يظهره ويخرجه مقداراً محدوداً لا يزيد ولا ينقص، ويدل عليه قوله: " إن علينا جمعه وقرآنه " [القيامة: 17]، ففرق بين الجمع والقرآن. ولو كانا واحداً، لكان تكريراً محضاً، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " [القيامة: 18]، فإذا بيناه، فجعل قراءته نفس إظهاره وبيانه، لا كما زعم أبو عبيدة أن القرآن مشتق من الجمع.
ومنه قولهم: ما قرأت هذه الناقة سلى قط، وما قرأت جنيناً هو من هذا الباب، أي ما ولدته وأخرجته وأظهرته، ومنه: فلان يقرؤك السلام، ويقرأ عليك السلام، هو من الظهور والبيان، ومنه قولهم: قرأت المرأة حيضة أو حيضتين، أي: حاضتهما، لأن الحيض ظهور ما كان كامناً، كظهور الجنين، ومنه: قروء الثريا، وقروء الريح: وهو الوقت الذي يظهر المطر والريح، فإنهما يظهران في وقت مخصوص، وقد ذكر هذا الإشتقاق المصنفون في كتب الإشتقاق، وذكره أبو عمرو وغيره، ولا ريب أن هذا المعنى فى الحيض أظهر منه في الطهر.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[04 Nov 2003, 01:34 م]ـ
المفردة القرآنية .. المراحل التي تمرُّ بها حال تفسيرها (4)
رابعَا: المصطلح الشرعي:
يراد بالمصطلح الشرعي ما جاء بيان معناه في لغة الشارع سواءً أكان ذلك في القرآن أم كان في السنة النبوية.
وكلام الشارع مبني على بيان الشرعيات لا على بيان اللغات، لذا استخدم ما تعرفه العرب من كلامها وزاد عليه معاني أو خصَّص ألفاظًا على معنى معيَّن، وهذا يُعرف من جهة الشرع، وهو ما يسمى بالتعريف الشرعي، فنقول مثلاً:
تعريف الصلاة لغة، ونبين فيه أصل معنى اللفظ واستعمالات العرب لهذا اللفظ في لغتها.
تعريف الصلاة شرعًا، ونبين استعمال الشارع للصلاة، وهو أنه نقلها من المعنى اللغوي المعروف إلى معنى زائد أو مخصوص بأعمال وأفعال مخصوصة سمَّاه صلاةً.
والمعنى الشرعي لا ينفكُّ عن أصل اللفظ في لغة العرب، وهو موجودٌ فيه غير أنه يزيد عليه بتحديدات شرعية لم تعرفها العرب من قبل.
ولقد برز عند العلماء بسبب هذا قاعدة تقديم المعنى الشرعي على المعنى اللغوي عند وجود احتمال التعارض بين المعنيين في سياق واحد، وسبب ذلك أنَّ الشارع معنيٌّ ببيان الشرع لا بيان اللغات.
ومن أوضح أمثلة احتمال التعارض بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي ما ورد في قوله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) (التوبة: من الآية84)، إذ السياق يحتمل المعنيين، فقد يكون المراد: لا تدع لهم، وهو معنى الصلاة في أصل اللغة.
وقد يكون المراد لا تصلِّ عليهم صلاة الجنازة، وهو المعنى الشرعي المخصوص، وهو المقدَّم هنا.
لكن الصلاة على المؤمنين قد وردت في سياق آخر، ولا يُراد بها الصلاة الشرعية، بل الصلاة بمعناها اللغوي، وهو الدعاء، وذلك في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (التوبة: من الآية103).
¥