تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانياً: وفي هذه المواعظ نرى لقمان الأب يقوم بواجب التربية نحو ابنه ويضطلع بمسؤوليته نحوه ـ شفقة ورحمة به ـ لتنشئته على الخير والصلاح، ويضع أمام الآباء نموذجاً صالحاً لما يجب أن تكون عليه علاقة الأب بابنه.

وهو الواجب الذي أغفله بل أسقطه كثير من الآباء من حساباتهم اليوم تجاه أولادهم يقول الحق سبحانه وتعالى مؤكداً هذا الواجب: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة …} 6 / التحريم.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه

ولا يخفى على ذي لب أن منشأ البر هو قيام هذه الرابطة بين الآباء والأبناء والتي لحمتها حرص الآباء على رعاية أبنائهم وتوجيههم ونصحهم.

وكذلك نجد لقمان ـ من خلال مواعظه ـ يضع ابنه أمام واجباته، ومسؤولياته، ويعرفه بها، ويحفزه ـ وعظاً ـ على الاهتمام بها، والقيام بشأنها وذلك لينمي فيه حس المسؤولية والاضطلاع بها.

وغير خافٍ على الآباء أهمية تربية حس المسؤولية لدى الأبناء، إذا أردنا لهم تسجيل نجاحات في حياتهم.

ثالثاً: وإذا كان الله وهب لقمان الحكمة وهي: (الإصابة في الأمور) فإن مجموع المواعظ التي اختارها لقمان في وعظ ابنه هي من فيض الحكمة لأنها قول الحكيم وأثر حكمته. وإذا كانت من الحكمة فيجب الأخذ بها وتنشئة الأبناء عليها.

ومن جانب آخر يجب على الداعية والمربي سلوك مسالك الحكمة في دعوته وتوجيهه ونصحه وإرشاده باختيار الموعظة المناسبة في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب ليحمل المتلقي على الاستجابة.

قال الله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} 125 / النحل.

دلالات المواعظ:

1 ـ كان أول جانب ركز عليه لقمان في وصيته لابنه هو (قضية التوحيد) حفاظاً على فطرته الإيمانية التي فطره الله عليها {فطرة الله التي فطر الناس عليها} 3 / الروم.

فحذره أن يلوث هذه الفطرة النقية بالشرك مع الله فقال له: {يا بني لا تشرك بالله}

وبين له خطورة الشرك وعاقبته {إن الشرك لظلم عظيم} لما فيه من التعدي ومجانبة الحق. وهكذا نجد لقمان بحكمته قرن النهي بعلته وحكمته ليكون أدعى إلى الاستجابة في نفس ابنه فيبتعد عن الشرك وعمله لما يدرك خطورته وعواقبه.

كما أن أسلوب التحذير من الفعل قبل الوقوع هو من أرقى الأساليب التربوية إذ التربية ربط وتحذير والتحذير من الشيء قبل الوقوع فيه والابتعاد عنه أسهل من قلعه وإزالته بعد الوقوع فيه.

كما أن الحفاظ على طهرة النفس ونقاء الفطرة وصفاء العقيدة عامل قوي في تشكل الشخصية تشكلاً سوياً بعيدة عن المؤثرات والرواسب السابقة، إذ لايخفى عليك ما تتركه الانطباعات السابقة من آثار نفسيةٍ في الشخصية يصعب محوها وإزالتها.

ولعله لم يفتك التنبه إلى أسلوب التلطف والتودد من لقمان لابنه وهو يخاطبه [يا بني] شفقة به ومحبة له وهو ما يحفز الابن على الاستجابة.

كما في هذا الأسلوب من الخطاب استمالة للابن لاستماع ما يلقى إليه على أنه يخصه ويعينه وفيه إشعار الابن بالاهتمام به.

وكذلك فإن النصيحة حيث جاءت من الأب لابنه فهي نصيحة غير متهمة مبرأة من كل شائبة لا يقصد بها إلا الخير ومصلحة الابن وهذا مؤثر نفسي كبير يحمل الابن على قبول النصيحة والعناية بها.

2 ـ ثم جاء الأسلوب القرآني بعد ذلك ليوجه الاهتمام نحو أمر عظيم وهو من أوجب الواجبات علينا بعد توحيد الله تعالى وطاعته وهو شكر الوالدين والإحسان إليهما قال الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه}.

ولفت الأسلوب القرآني نظر الأبناء إلى ما تعانيه وتقاسيه الأم أثناء الحمل والولادة {حملته أمه وهناً على وهن} أي ضعفاً على ضعف إذ الأم تبقى متعبة ضعيفة طيلة مدة الحمل إلى الولادة.

وقد لفت الأسلوب القرآني نظر الأبناء إلى ما تقاسيه الأم أثناء الحمل ليستدر عطفهم نحو أمهاتهم.

ولا يخفى ما في هذا الأسلوب من إيجابية في إثارة العاطفة وتوجيه السلوك وما أروع الأسلوب القرآني بعد هذا وهو يعلمنا قيمة أخلاقية راقية وهي:

الشكر على النعمة والوفاء بالجميل قال الله تعالى موجهاً {أن اشكر لي ولوالديك} فأوجب علينا شكر الله على نعمه وشكر الوالدين على الرعاية والتربية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير