تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتقرير ذلك أن يقال: إن القرآن كلام الله، (وكلام الله لا نهاية له كما قال سبحانه: {قُل لَّوْ كَانَ ا؟ لْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ا؟ لْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـ! ــتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ÷ مَدَدًا} [الكهف: 109].

ومن كلماته تعالى: كتبه المنزلة، كالتوراة، والإنجيل، والقرآن، وكلماته التي يخلق بها الخلق، وكلماته التي كلّم بها آدم، والتي كلّم بها موسى، والتي كلّم بها محمداً صلى الله عليه وسلم وكلماته التي يكلم بها عباده في المحشر وفي الجَنَّة، وكلماته التي يخاطب بها أهل النَّار توبيخاً وتقريعاً، وغيرُ ذلك من كلامه تبارك وتعالى.

فكلامه تعالى متبعّضٌ متجزي، فالتوراة بعض كلامه وجزء منه، والإنجيل كذلك والقرآن كذلك، والقرآنُ أبعاضٌ وأجزاءٌ وسورٌ وآياتٌ وكلماتٌ.

وجميع هذا من المسلَّمات المعلومة لدى الكافة، دلّ عليها الحس، والعقل، والشرع، وهي أجلى من أن تحتاج إلى ضرب الأمثلة، وسياق البراهين.

فكلامه تعالى الذي هو أجزاءٌ وأبعاضٌ، بعضه أفضل من بعض، وليس ذلك من جهة المتكلم به وهو الله تعالى، وإنَّما هو من جهة ما تضمن من المعاني العظيمة، فإن كلام الله المتضمن للتوحيد والدعوة إليه، أفضل من كلامه المتضمن ذكر الحدود والقصاص ونحو ذلك، وما يخبر به عن نفسه وصفاته أعظمُ مِمَّا يخبر به عن بعض خلقه، وذلك لشرف الأول على الثاني.

وقد ورد في السنة الصحيحة ما يثبت ذلك ويوضحه ويُجلِّيه، فمن ذلك:

1 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في ميسر له فنزل ونزل رجلٌ إلى جانبه، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {ألا أخبرك بأفضل القرآن؟} قال: فتلا عليه {الحمد لله رب العالمين} (7).

2 - حديث أبي سعيد بن المعلّى - رضي الله عنه - قال: كنتُ أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبْه، فقلتُ: يا رسول الله! إني كنت أصلي فقال: {ألم يقل الله: {ا؟ سْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] ثُمَّ قال لي: {لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد}. ثُمَّ أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلتُ له: ألم تقل: {لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟} قال: {الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته} (8).

3 - عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أبا المنذر، أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟} قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: {يا أبا المنذر: أتدري: أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟} قال: قلتُ: {ا؟ للَّهُ لاَ إِلَـ! ــهَ إِلاَّ هُوَ ا؟ لْحَيُّ ا؟ لْقَيُّومُ ... } [البقرة: 255]، قال: فضرب في صدري، وقال: {والله، لِيَهْنِكَ العلمُ أبا المنذر}.

4 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له - وكأنّ الرجل يتقالُّها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن} (9).

فدلت هذه النصوص، وغيرها على تفضيل كلام الله بعضه على بعض، وذلك حسب ما يدل عليه من المعاني، وهو مذهب جمهور السلف وأهل السنة) (10).

وقد فصّل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الكلام في هذه المسألة في رسالة له بعنوان: (جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن من أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن) (11)، وذكر أقوال العلماء في ذلك وأدلة كل قول مع المناقشة والترجيح، والتوجيه والتعليل بما يغني الناظر فيه عن الرجوع إلى غيره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير