تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا ثبت أنّ القرآن العظيم لا يضاهيه نظم ولا يدانيه كلام فقد اتضح بما لا يدع للشك مجالاً أنه نسيج وحده وهو القمة التي لا ترتقى والغاية التي لا تنال والشأو الذي لا يدرك؛ فإذا كان القرآن بمجمله بمنأى عن مشابهة أي كلام آخر؛ فهل من الممكن أن يكون متفاضلاً في نفسه؛ بحيث يفوق بعضه بعضاً حتى تختلف درجات الكلام القرآني الواحد؟ لاشك أنّ هذا الأمر عند دراسته يحتاج إلى تدقيق وتصنيف حتى يمكن تقرير رأي متكامل فيه، وهو ينقسم بطبيعته إلى الآتي:

الفروق المعنوية بين التعابير القرآنية:

إنّ المعاني المجردة ليست بأصل في الإعجاز القرآني؛ وإنما الأصل هو النظم الدال على هذه المعاني، ولما كان القرآن كله معجزاً لم يكن لتفضيل بعضه على بعض من معنى في مضمار البلاغة والإعجاز؛ إلا أنّ التفاضل في المعاني المجردة - التي ليست أصلاً في الإعجاز- قد اختلف فيها العلماء اختلافاً واسعاً، وقد ذكر ابن تيمية أنها مسألة كبيرة والناس متنازعون فيها تنازعاً منتشراً، وقد كان هؤلاء العلماء فيها على فريقين

الفريق الأول: ذكر أصحابه أنه لا فضل لبعض القرآن على بعض؛ لأنّ الكلّ كلام الله؛ وكلام الله لا نقص فيه والتفضيل يشعر بنقص المفضول؛ ولهذا امتنع هذا التفاضل واستحال. وروي عن الإمام مالك أنه قال: (تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ) وعلل هذا الفريق التفضيل والخيرية الواردة في القرآن والحديث بتفضيل الثواب والأجر لا غيره، وهذا القول قد ناصره أكثر الأشاعرة. وقد ذهب ابن تيمية إلى أنّ الأشاعرة إنما ألجأتهم مناقضة المعتزلة إلى رد هذا التفضيل؛ فقالوا بالتماثل لأنّ المعتزلة لما قالوا إنّ القرآن مخلوق فضلوا بعضه على بعض؛ وتفاضل المخلوقين أمر لا ينكره أحد

الفريق الثاني: قالوا بالتفضيل؛ وهذا التفضيل الذي ذهبوا إليه متعلّق بالمعاني التي تناولتها الآيات ولا يتعلّق عندهم بالصفة، وقد استدل هؤلاء بقوله تعالى:

(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)

فدلت هذه الآية عندهم على الخيرية والتماثل بين الآيات، وإذا كانت المعاني القرآنية على قسمين هما:

- الإنشاء (الأوامر والنواهي).

- الأخبار (الحقائق).

فإنّ التفاضل في الأوامر أمر وارد؛ فالله تعالى قد أمر بكتابة الدَّين (القرض) وتدوينه مثلاً وأمر في آيات أخرى بالتوحيد؛ فلا يمكن أن تكون كتابة الدَّين مثلاً كالتوحيد، وكذلك الأمر في النواهي فإنّ الأمور المنهي عن بعضها شر من بعض فلا يمكن أن لا يتفاضل النهي فيها. أما الأخبار فإن من الآيات ما تحدث الله تعالى فيه عن نفسه ووصفه الذي يصف به نفسه ومنها ما تحدث فيه عن بعض خلقه؛ وذلك كما في "سورة الإخلاص" و"سورة المسد" مثلاً، فلا يمكن أن يكون وصفه لنفسه تعالى ووصفه لأبي لهب سواء

ولما كان الأمر على هذا الوجه الذي ذكرنا فقد قال البهوتي: (بعض القرآن أفضل من بعض باعتبار متعلّقه من المعاني، ولا يمنع من ذلك كون الجميع صفة الله تعالى لما ذكرنا من أن التفضيل باعتبار المتعلّق لا باعتبار الذات)

ولما كان هذا الأمر على ما ذكره العلماء أصحاب القول الثاني فإنّ التفاضل لا يقع في الآيات أنفسها؛ وإنما يقع عليها من حيث نسبتها إلى المخبر عنه؛ ولأجل ذلك جعل ابن تيمية للكلام نسبتان:

1 - نسبة للمخبر.

2 - نسبة للمخبرعنه.

فالنسبة الأولى لا يمكن أن يقع فيها التفاضل، إذ أنّ الجميع كلام الله ونسبته إليه واحدة أما الثانية فيمكن أن يقع فيها التفاضل، يقول ابن تيمية: (من المستقرّ في فطر العقلاء أن كلاً من الخبر والأمر يلحقهما التفاضل من جهة المخبر عنه والمأمور به) إلا أنّ المخبر عنه والمأمور به والمنهي عنه أمور خارج النظوم؛ والنظوم دلالة عليها، ولأجل ذلك لم تكن أصلاً في الإعجاز؛ ولا بها يقع التفاضل بين كلام وكلام؛وإنما وجه تعلقها بالإعجاز من جهتين هما:

1 - التحقّق منها وإدراك صدق المتكلّم بها.

2 - كونها عمدة النظم التي ينشأ عنها ويدل عليها.

الفروق النظمية بين التعابير القرآنية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير