وجاء بعدهما الخزرجي، والداودي فنقلا مقالة الذهبي فقط، دون ذكر روايات أخرى تؤيدها.
وذهب العاملي إلى أبعد من ذلك فقال: (ذكره الشيخ - يقصد الطوسي - في رجاله في أصحاب علي بن الحسين، وفي أصحاب الباقر، وفي أصحاب الصادق، إسماعيل بن عبدالرحمن السدي الكبير).
وأما ما أورده الذهبي وابن حجر وغيرهما، فلم أجد من نقاد الرواية الأوائل من أمثال البخاري وابن أبي حاتم وابن الأثير من ذكره، وما كان هذا ليفوتهم دون النص عليه.
وهذا الأثر الذي أورده العاملي الشيعي المذهب، قد رده شيعي آخر، فقد قال الخوانساري في روضات الجنات: (وقد ذكره الطوسي - أي السدي - في جملة من روى عن الصادق ومن رجاله، ولا يثبت عندي ذلك، فلم يثبت رواية منه ولا من أمثاله عن أحد من أهل البيت المعصومين).
والرواية الوحيدة في تفسير السدي التي يمكن أن يفهم منها تشيعه هي عند تفسير قوله تعالى: (فما بكت عليهم السماء والأرض .. ) سورة الدخان آية 29، حيث قال: (لما قتل الحسين بن علي رضوان الله عليهما بكت السماء، وبكاؤها حمرتها).
وهذا الأثر عن السدي رواه الحكم بن ظهير، الذي ذكره ابن حبان في المجروحين قائلاً: (كان يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات، ويشتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم). وكفى بهذا القول دلالة على دس هذا الأثر على السدي.
فالرواة لم ينصوا على تشيع السدي نصاً يطمئن إليه، ولعل هذا الدس الذي وقع في تفسيره كان سبباً في هذه الشبهة). أهـ بتصرف من كتاب الدكتور محمد عطا يوسف. ص29 - 30
الثانية: إن أول من قدح في السدي الكبير هو الشعبي رحمه الله. والبخاري لم يعبأ بقدحه، وروى في التاريخ الكبير عن مسدد عن يحيى قال: سمعت ابن أبي خالد يقول: السدي أعلم بالقرآن من الشعبي! وروى البخاري كذلك في تاريخه عن ابن المديني عن يحيى القطان قال: (ما رأيت أحداً يذكر السدي إلا بخير، وما تركه أحد).
ولذلك يقول أحمد شاكر في تعليقه على الخبر (168) من تفسير الطبري 1/ 157:
(إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي: هو السدي الكبير، قرشي بالولاء، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة، من بني عبد مناف، كما نص على ذلك البخاري في تاريخيه: الصغير: 141 - 142، والكبير 1/ 1 / 361، وهو تابعي، سمع أنسًا، كما نص على ذلك البخاري أيضًا، وروى عن غيره من الصحابة، وعن كثير من التابعين. وهو ثقة. أخرج له مسلم في صحيحه، وثقه أحمد بن حنبل، فيما روى ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1/ 1 / 184، وروى أيضًا عن أحمد، قال: "قال لي يحيى بن معين يومًا عند عبد الرحمن بن مهدي: السدي ضعيف، فغضب عبد الرحمن، وكره ما قال": وفي الميزان والتهذيب "أن الشعبي قيل له: إن السدي قد أعطي حظًا من علم القرآن، فقال: قد أعطي حظًا من جهل بالقرآن! ".
وعندي أن هذه الكلمة من الشعبي قد تكون أساسا لقول كل من تكلم في السدي بغير حق. ولذلك لم يعبأ البخاري بهذا القول من الشعبي، ولم يروه، بل روى في الكبير عن مسدد عن يحيى قال: " سمعت ابن أبي خالد يقول: السدي أعلم بالقرآن من الشعبي". وروى في تاريخيه عن ابن المديني عن يحيى، وهو القطان، قال: "ما رأيت أحدًا يذكر السدي إلا بخير، وما تركه أحد". وفي التهذيب: "قال العجلي: ثقة عالم بالتفسير راوية له". وقد رجحنا توثيقه في شرح المسند 807. وتوفي السدي سنة 127هـ).أهـ
والإسناد الذي أكثر الطبري إيراده في تفسيره قال عنه أحمد شاكر 1/ 156: (هذا الإسناد من أكثر الأسانيد دورانًا في تفسير الطبري، إن لم يكن أكثرها، فلا يكاد يخلو تفسير آية من رواية بهذا الإسناد. وقد عرض الطبري نفسه في (ص 121 بولاق، سطر: 28 وما بعده)، فقال، وقد ذكر الخبر عن ابن مسعود وابن عباس بهذا الإسناد: "فإن كان ذلك صحيحًا، ولست أعلمه صحيحًا، إذ كان بإسناده مرتابًا. . . . ". ولم يبين علة ارتيابه في إسناده، وهو مع ارتيابه قد أكثر من الرواية به. ولكنه لم يجعلها حجة قط.
بيد أني أراه إسنادا يحتاج إلى بحث دقيق. ولأئمة الحديث كلام فيه وفي بعض رجاله. وقد تتبعت ما قالوا وما يدعو إليه بحثه، ما استطعت، وبدا لي فيه رأي، أرجو أن يكون صوابًا، إن شاء الله. وما توفيقي إلا بالله:
¥