وإنك لتجد بعض المسرفين على أنفسهم ممن هداهم الله قريبًا يستمتعون ويتلذذون بقراءة كلام ربه، وتجدهم يخشعون ويبكون، وما ذاك إلا لتغيُّر حال قلوبهم من الفساد إلى الصلاح، فإذا كان هذا يحصل من هؤلاء فحريٌّ بمن سبقهم إلى الخير أن يُعزِّز هذا الجانب في نفسه، وأن يبحث عن ما يعينه على خشوعه وتأثره بكلام ربِّه.
الأمر السابع:
يسأل كثير من المسلمين، كيف أحافظ على طاعاتي التي منَّ الله عليَّ بها في رمضان، فإنني سرعان ما ينقضي الشهر أبدأ بالتراجع عن هذه الطاعات التي كنت أجد لذة وحلاوةً في أدائها؟
إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رسم لنا منهجًا واضحًا في كل الأعمال، وقد بيَّنه بقوله: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ))، ولو عملنا بهذا الحديث في جميع عباداتنا لحافظنا على الكثير منها، ولما صرنا كالمنبتِّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى.
فلو اعتمد المسلم في كل عبادة عملا يوميًّا قليلاً يزيد عليه في وقت نشاطه، ويرجع إليه في وقت فتوره؛ لكان ذلك نافعًا له، فالمداومة على العبادة ـ ولو كانت قليلة ـ أفضل من إتيانها في مرات متباعدة أو هجرانها بالكلية.
فمن أدَّى فرائضه، والتزم بالسنن الرواتب، ثمَّ زاد عليها من أعمال العبادة ما شاء، فإنه يدخل في محبوبية الله التي قال فيها: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه)).
ففي صلاة الليل يحرص أن لا ينام حتى يصلي ثلاث ركعات، ولو كانت خفيفات، فإن أحسَّ بنشاط زاد، وإلا بقي على هذه الثلاث.
وفي قراءة القرآن يعتمد قراءة جزءٍ كل يوم، حتى إذا بلغ تمام الشهر، فإذا به قد ختم القرآن.
وفي الصيام يعتمد ثلاثة أيام من كل شهر، وإن استطاع الزيادة زاد، لكن لا ينقص عن الأيام الثلاثة.
وفي النفقة يعتمد مبلغًا ـ ولو يسيرًا ـ بحيث لا يمرُّ عليه الشهر إلا وقد أنفقه.
وهكذا غيرها من العبادات، يعتمدُ القليل أصلاً، ويزيد عليه في أوقات النشاط، فإذا قصرت همته رجع إلى قَلِيلِه، فيبقى في عباداته من غير كلفة ولا مشقة ولا نسيان وإهمال، أسأل الله أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبُّ ويرضى، ويجعلنا من أهل القول والعمل.
وإذا تأملت رمضان وجدته أشبه بمحطةٍ يتزوَّد منها الناس وقودهم، وهو محطة الصالحين الذين يفرحون ببلوغه فيتزودون منه لعباداتهم في الدنيا، ولجنتهم في الأخرى، وهو محضن تربوي فريد يدخله كل المسلمين: مصلحوهم وصالحوهم وعصاتهم، فهلاَّ استطعنا اغتنام هذا الشهر؟.
وأخيرًا:
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يرفع البلاء عن هذه الأمة، وأن يهدي قادتها لما يُحبُّ ويرضى، وأن يرينا في هذا الشهر انتصارات للمسلمين في كلِّ مجال من مجالات الحياة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[27 Oct 2003, 11:53 ص]ـ
جزى الله خيراً كاتب هذا الموضوع الشيخ مساعد وفقه الله.
والموضوع فيه فوائد قيمة، وتنبيهات مهمة ينبغي العناية بها.
فأوصي إخواني بقراءته جيداً حتى تتم الفائدة المرجوة من كتابته.
وقد جرب بعض طلبة العلم طريقة جيدة للتعامل مع القرءان في هذا الشهر، وهي:
أن يقرأ جزءاً يومياً، ويجتهد في تدبره والتفكر في آياته، ثم يكتب بعض الفوائد المهمة التي توصل إليها من تدبره، ويحرص على أن يقرأ تفسير هذا الجزء من تفسير مختصر جيد مناسب - ولو اختار تفسير السعدي لاستفاد كثيراً -.
وله مع ذلك أن يقرأ غير الجزء الذي وقف معه متدبراً.
وأما الليل - وما أدراك ما الليل - فهو لحفاظ القرآن، فالقراءة في الصلاة من المحفوظ أفضل وسيلة لتثبيت الحفظ.
وهل حفظ القرآن إلا للقيام به والتغني به في ساعات الليل.
فما أحوجنا - إخواني الكرام - إلى مراجعة حالنا، والحرص على تطهير قلوبنا، فوالله لو طهرت هذه القلوب لما شبعنا من كلام علام الغيوب.
فاللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، واجعلنا من أهل القرآن برحمتك يا أرحم الراحمين.
ـ[أحزان]ــــــــ[10 Nov 2003, 12:11 م]ـ
جزى الله خيراً كاتب هذا الموضوع
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، واجعلنا من أهل القرآن برحمتك يا أرحم الراحمين.
ـ[تابع الأثر]ــــــــ[01 Oct 2005, 09:30 م]ـ
للرفع للمناسبة العظيمة بقدوم شهر البركات شهر رمضان الذي أسأل الله عز وجل أن يبلغنا إياه وأن يوفقنا فيه لما يحبه ويرضاه.
للرفع رفع الله قدر كاتبه الذي أحبه في الله.
أرجو من المشرفين الكرام تثبت الموضوع.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[01 Oct 2005, 10:03 م]ـ
اشكرالشيخ مساعد على هذه الوقفات القيمة والتي نحن بأمس الحاجة إليها, واستئذنك فقد قمت بتثبيت الموضوع.
وما رأي الأخوة لو كان سمة ملتقى أهل التفسير في هذا الشهر هي نظرات التدبر والعظات من القرآن ليكن للناس وللوعاظ خير زاد , والمسائل العلمية مما تدرك إن شاء الله بعد رمضان ولنكن كحال السلف إذا أتى رمضان رفعوا كتب العلم وأقبلوا على القرآن , ارجو أن يمن الله علينا في هذا الملتقى من يجعل لنا سلسلة يومية يذكرنا شيئاً من معاني كلام ربنا سبحانه.
¥