الدالية) [3] يقصد عريش الكرم وهو شجر العنب؛ فيكون المعنى: سقط
السقف، ثم سقطت الحيطان عليه؛ واختاره ابن جرير الطبري. وهذه الصفة في خراب المنازل من أحسن ما يوصف به.
وقريب من هذا المعنى في قوله تعالى:] وَهُوَ الَذِي أَنشَأََ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ
وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ [[الأنعام: 141] معروشات: ما يحتاج أن يتخذ له عريش يحمل
عليه فيمسكه وهو الكرم وما يجري مجراه.
وجاء في القرآن معنى آخر للعرش يؤول إلى الأول وهو عبارة عن السرير
الذي يجلس عليه الملك للحكم: أي سرير المملكة ومنه قوله تعالى:] وَلَهَا عَرْشٌ
عَظِيمٌ [[النمل: 23].
حقيقة العرش: وإذا عرفنا معنى العرش في الاستعمال اللغوي واللسان
العربي: فما حقيقته هنا في هذه الآيات السبع، وفي غيرها مما كان مضافاً إلى الله
عز وجل؟
الجواب: لا نعلم ذلك ولا يجوز لنا أن نقيسه على الأول؛ لأن الأول من عالم
الشهادة وهو محسوس وملموس ومضاف إلى البشر، والثاني من عالم الغيب
ومضاف إلى الله عز وجل والله عز وجل امتدح] الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [
[البقرة: 3].
وطريقنا الوحيد في ذلك: أن نتلمس بعض الأوصاف عند الذين اصطفاهم الله
وأعلمهم بذلك؛ كما بين ذلك القرآن فقال عز وجل:] عَالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى
غَيْبِهِ أَحَداً (26) إلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ [[الجن: 26 - 27].
ولذلك فإننا نتلمس أوصاف العرش من القرآن ومن السنة فنقول:
ثبت في القرآن أن العرش على الماء:] وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ [(هود:7) وثبت أن للعرش قوائم تحمله الملائكة حافين حوله يسبحون بحمد ربهم؛ فقد قال
تعالى:] وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [[الحاقة: 17] وقال في وصفه
أيضاً:] وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [
[الزمر: 75]، وقال أيضاً:] الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [(غافر: 7)، ثم نتدرج إلى وصف من هو أعلم الخلق بربه؛ إذ قال: (إن عرشه على سماواته لهكذا) وقال بأصابعه: (مثل القبة .. الحديث) [4].
وثبت في وصفه أنه فوق الفردوس كما في صحيح البخاري عن النبي: (إذا
سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش
الرحمن) [5].
ونحن إذ نستعرض هذه النصوص نستنتج أن العرش: سرير ذو قوائم،
تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات على الصفة التي
تليق بعرش الله. وقد فهم هذا المعنى بعض الشعراء، وذكره مشهور عندهم في
الجاهلية والإسلام.
وقال الشوكاني في بيان صفة العرش: (وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة
صفة عرش الرحمن وإحاطته بالسماوات والأرض وما بينهما وما عليهما) [6].
وحينئذ لا يجوز لنا أن نتجاوز الوصف الذي حدده الله في القرآن وبينه
النبي-صلى الله عليه وسلم- في السنة.
الاستواء في اللغة، وفي القرآن: ونعود مرة أخرى إلى كتاب الله ناظرين في
معنى قوله:] اسْتَوَى [وبيان وجوه استعمالها في القرآن.
حقيقة الاستواء في اللغة: التساوي واستقامة الشيء واعتداله. وورد في كلام
العرب على معان اشترك لفظه فيها؛ فيكون بمعنى الاستقرار، ويكون بمعنى
القصد، ويأتي بمعنى العلو والركوب؛ ويأتي بمعنى المماثلة والمساواة كقوله تعالى:] هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ [[الرعد: 16]،
وجاء بهذا المعنى في سبع عشرة موضعاً [7]. ومنها ما يكون بمعنى بلوغ القوة
العقلية والبدنية وكمالهما؛ ومنه قوله تعالى:] وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى [
[القصص: 14] أي بلغ مبلغاً يؤهله لقبول العلم والحكمة.
ومنها: ما يجيء بمعنى الاستقرار والرسو نحو قوله تعالى:] وَاسْتَوَتْ عَلَى
الجُودِيِ [(هود: 44)، وجاءت بمعنى الركوب على الدابة وعلى الفلك كقوله
تعالى:] فَإذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفُلْكِ [[المؤمنون: 28] ومنه قوله
تعالى:] وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
¥