تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأصل أن السورة من القرآن وحدة مستقلة عن الأخرى، كما قيل في معناها الاصطلاحي أنها: "طائفة مستقلة من آيات القرآن ذات مطلع ومقطع ".

هذه خلجات دفعني إليها طلب العلم في هذه المسألة منكم ومن سائر مشايخنا المشرفين، وتصحيح ما أخطأت فيه إن كان فهمي جنح عن جادة الصواب.

وأستغفر الله لي ولكم،،

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[08 Nov 2003, 02:15 م]ـ

الشيخ الفاضل / خالد الباتلي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فقد سرتني مشاركتكم وملحوظاتكم، وهاأنذا أقدم لكم رأيي فيما طرحتم، فتقبله مشكورًا.

أولاً: الوجوه المذكورة في المناسبة لا أراها تُنقص قدر سورة الإخلاص، إلا لو لم يكن عندنا في إثبات فضل سورة الإخلاص إلا هذه المناسبات، أو أننا نريد إثبات فضل هذه السورة بهذه المناسبة.

والمناسبات شبيهة بضرب الأمثال، والمثل يكون بما جل أو قلَّ لبيان الشأن، ولا يلزم منه اتفاق المشبه به بالمشبه ولا العكس في القدر والمكانة.

وما ذكرته إنما هو من هذا الباب ـ فيما يبدو لي ـ وليس فيه تنقيص من شأن سورة الإخلاص، وأبو لهب إنما هو مثال ضُربَ به المثل في ذلك (أعني: وجوه الفقر الإنساني)، فلا يوقف عنده بذاته، فيضعَّف وجه المناسبة من أجله. وأنت تعلم أنّ الله ضرب أمثلة في القرآن، وليس فيها نقص من قدر ما سيق المثل من أجله.

وأنت تعلم أن بيان صفات الكمال يجوز بذكر ما يقابلها من نقص المخلوق، ولا غضاضة في ذلك، فذكر الفقر الإنساني لبيان الغنى الكامل في الخالق لا غبار عليه فيما يبدو، والله أعلم.

ثانيًا: وجود التمحُّل في المناسبات، وهذا مما لا يُختلف في وجوده في باب المناسبات، والحكم بالتمحُّل نسبي، وأنتم ـ حفظكم الله ـ قد حكمتم بذلك على ما ذكرته، لكن لم يظهر لي ـ بعد إعادتي قراءة ما كتبتُ ـ أنه من باب التمحل، ولست أضيق بمن رآه من هذا الباب أن يردَّه، ويضرب به عُرض الحائط، فالمسألة علمية بحته قابلة للصواب والخطأ.

ثالثًا:إني أرى أن ترتيب السور توقيفي، كما هو الشأن في ترتيب الآيات، ومن ثَمَّ، فإنني أثبت المناسبات بينها، لكن لا يلزم أن تكون كل مناسبة مذكورة صحيحة، كما لا تخلو كثير من المناسبات من التكلُّفِ، وهذا يعرفه من قرأ في هذا الباب.

رابعًا: حديث عثمان في شأن براءة والأنفال مما لا يصلح الاحتجاج به، وقد بين ذلك بعض العلماء، ومنهم الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند.

خامسًا:الاحتجاج بمصاحف الصحابة لا يصلح في هذا المقام؛ لأمور:

الأول: أنه لم يُذكر أن أحدًا منهم كتب مصحفًا كاملاً، وهذا يشير إليه الآثار في جمع المصاحف في عهد أبي بكر وعثمان.

الثاني: أنهم لا يلزم أن يكونوا قد تلقوا هذا الترتيب من النبي صلى الله عليه وسلم وعلموه جميعًا، بل هو مما عرفه بعضهم، بالأخص زيد بن ثابت كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: أنَّ المصحف الذي كتبه أبو بكر، ونسخ منه عثمان لم يختلف فيه الترتيب، وهو الترتيب الذي تلقاه زيد من النبي صلى الله عليه وسلم، كما تلقاه غيره، لكن لم يقع الالتزام بهذا الترتيب إلا في عهد عثمان لما ألزمه بالمصاحف التي كتبت بين يديه، فكان ما فيها من الرسم والترتيبـ في أقل أحواله ـ إجماعًا لا تجوز مخالفته.

وعلى هذا يُحمل ما وقع من مصحف ابن مسعود، فإنه لم يلتزم في مصحفه بالترتيب النبوي، ولم يقع الإلزام إلا في عهد عثمان، ولو كان عند ابن مسعود في ترتيبه شيء من النبي صلى الله عليه وسلم لاحتج به، وذلك ما لم يقع.

والظاهر مما حُكِي من مصاحف الصحابة أنهم كانوا يتوسعون فيها بما لا تجده في المصحف الإمام العثماني، كذكرهم بعض التفسير، وبعض القراءات التي نُسِخت في العرضة الأخيرة، وغير ذلك.

وهم في كل من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر وعمر وصدرٍ من عهد عثمان لم يُلزموا بترك شيءٍ مما بين أيديهم مما يتعلق بالمصحف.

وموضوع مصاحف الصحابة وما يتعلق بها من أحكام مما لم يُبحث بحثًا مستفيضًا يجلِّي غوامضه.

سادسًا: كون السور ة قطعة مستقلة لا يمنع من وجوه مناسبة بينها وبين ما بعدها أو قبلها، والحديث عن المناسبة لا يُخلُّ بكونها قطعة واحد، ولو أخلَّ لكان لهذه الملحوظة مكان.

أما كونه لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة والتابعين شيء، فهذه مسألة علمية أكبر من هذا الموضوع، ولو طردتَ هذا في بعض العلوم لما اعتمدتها، وهذا التساؤل مما يحتاج إلى بسط وتجلية، ولعله مما طُرِح في بطون الكتب أو في البجوث، وكم أتمنى ممن يقرأ هذا أن يتحف الملتقى بشيء مما كُتب في مسألة العلوم التي لم يشر إليها السلف ما ضابط قبولها والاعتناء بها.

وأخيرًا: كأني ألمح في حديث عثمان الذي أشرتم إليه ـ لو صح الاحتجاج به ـ اعتماد المناسبة، فهو إنما وضع التوبه بعد الإنفال لأجل مناسبة حديثهما عن الجهاد. ومن ثَمَّ فإنه يجوز بحث المناسبة، لكن من باب سبب ذكر الصحابة لهذه السورة بعد هذه، على مذهب من يرى أن ترتيب السور اجتهادي.

وبعد هذا فإني أستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، وأسأله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يجعلنا من الخِيَرة الذين اصطفاهم لخدمة كتابه، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين،،،، آمين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير