تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

The child put forth his hand, and grasping the fire put it to his mouth, burning his tongue, and becoming thereafter "heavy of mouth and heavy of tongue," as mentioned in the Bible. Through this childish action the life of Moses was saved. Moses grew up, a handsome lad, in the palace of the king ; he dressed royally, was honored by the people, and seemed in all things of royal lineage".

ولست أجد من نفسى الاستعداد فى تصديق تلك الحكاية رغم ما تتضمنه من تسلية فلكلورية جميلة. ذلك أن جمال الحكاية وما تثيره من شوق ولهفة لدى المستمع أو القارئ لا علاقة بينه وبين صدقها، فكلاهما شىء مختلف عن الآخر كما هو بَيِّنٌ ظاهر. وسبب عزوفى عن تصديق الحكاية يتلخص فى أن رد الفعل الطبيعى لدى أى إنسان يمسك بقطعة ملتهبة من الجمر، فما بالنا بطفل فى الثالثة من عمره؟ هو أن يلقى بها بعيدا عنه صارخا فى ألم وفزع. أما أن يظل ممسكا بها ثم يضعها فى فمه وكأنه يمسك بقطعة حلوى، فهذا أمر لا يقبله العقل وتكذّبه مشاهداتنا وتجاربنا. ثم إنهم يقولون إن الله أرسل ملاكا إلى موسى أوحى إليه أن يمسك بالجمرة بدلا من الذهب كى يصدق فرعون أنه طفلٌ غِرٌّ لا يمثّل أى تهديد. أفيُعَدّ هذا إكراما من الله لنبيه المرتقب؟ ترى إذا كان إحراق اللسان بالنار إكراما، فما العقاب والتعذيب إذن؟ قد يقال إن هذا أخف الضررين. لكن لماذا تركه الله منذ البداية يخلع التاج من فوق رأس ذلك الطاغية؟ إن هذا أمرٌ غريب ما دامت نتيجته هى ما عرفنا.

كذلك تقول إحدى الروايات إن زوجة الملك هى صاحبة الاقتراح. أفلم يخطر على بالها أن من المحتمل جدا أن يمد الصغير يده إلى الذهب؟ ترى أنَّى لها التصور بأنه سوف يتناول النار بالضرورة؟ هل أوحى الله لها؟ القصة لا تقول شيئا من هذا بتاتا. كما أنه يعيدنا إلى الاستغراب السابق الذى يثيره تفسير اختيار الطفل للنار بأنه مظهر للكرم الإلهى. أما إن كان بعض رجال البلاط، كما تقول رواية أخرى، هم أصحاب الاقتراح، فكيف فاتهم أن هذا ليس بالحل الحاسم، فموسى طفل صغير لا يعى مثل تلك الأمور، وكلا الاحتمالين قائم كما قلت آنفا، إذ من الممكن أن يتناول النار أو أن يتناول الذهب. بل كيف خطر أصلا لفرعون أن يفكر طفل فى الثالثة فيما ظن هو ورجال حاشيته أنه يفكر فيه، ألا وهو خلع فرعون من مُلْكه؟ أما إذا أصروا على فهمهم فمن الممكن أيضا القول بأن مثل ذلك الطفل، الواعى المضرس حسب أوهامهم فيه، قد يفكر أن يتناول الجمرة عن عمد حتى يفلت من القتل. أليس كذلك؟

ثم إن هذه الحكايات تتضمن أشياء عجيبة لا تدخل العقل، وبخاصة أنها تتعارض مع العهد القديم ذاته، فنحن نقرأ فى بعضها أن يثرون، والد زوجة موسى، قد ارتاب فيه وسحره وحبسه واتصل بالأحباش كى يسلمه لهم حسبانا منه أنه واحد من الأسرة المالكة الحبشية هارب منها. وفى بعضها الآخر أن موسى قد بقى فى مدين بضع عشرات من السنين، على حين أن بعضها الآخر يحدد المدة بأربع سنوات لا غير ... إلخ. وهذا كله يناقض ما جاء فى العهد القديم، الذى يروى، كما نعلم، أشياء مختلفة تماما، فضلا عن تعارضها مع القرآن المجيد.

أما بالنسبة إلى التفسيرات الأخرى للعقدة التى دعا موسى ربه أن يحلها من لسانه، فالملاحظ أنه، عليه السلام، قد ذكر أنه إنما طلب ذلك كى يفقهوا قوله. والمقصود فرعون وملؤه كما أفهم من سياق الكلام. فهل الأمر يتعلق هنا باللغة ذاتها لا بعيب فى لسانه؟ ذلك ممكن، إذ لو كان موسى قد ترك استعمال تلك اللغة تماما طوال السنوات التى أمضاها فى مدين، فمحتمل جدا أن يكون قد نسيها أو صار بطىء التحدث بها إلى حد مزعج لمن يخاطبهم بها. ومبعث إثارتى لهذه النقطة وتفسيرى للضمير فى "يفقهوا" على هذا النحو أننا لم نر أو نسمع أن موسى قد عانى من صعوبة فى الكلام قبل ذلك قط: لا فى حديثه مع الإسرائيلى الذى استعان به فضرب المصرى من أجله، ولا فى حديثه مع الشخص الذى جاء من أقصى المدينة يسعى كى ينبهه إلى وجوب الفرار من مصر تجنبا للمؤامرة التى حيكت لقتله، ولا فى حديثه مع الفتاتين اللتين التقى بهما عند الماء أول وصوله إلى أرض مدين، ولا فى حديثه مع أبيهما، ولا فى حديثه مع أهله فى البرية حين رأى نارا فقال لأهله: "امكثوا. إنى آنست نارا ... ". وهذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير