تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في الآية دليل على تحريم إتيان المرأة في دبرها، كما هو مذهب جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، [انظر: بدائع الصنائع للكساني الحنفي (1/ 119)، مواهب الجليل للحطاب المالكي (3/ 407)، روضة الطالبين للنووي الشافعي (7/ 204)، كشاف القناع للبهوتي الحنبلي (5/ 188)، المحلى لابن حزم الظاهري (9/ 220)]، أما مأخذ التحريم فعلى الوجه الذي تقدم، وأما مأخذ كون إتيان المرأة في دبرها كذلك فبالقياس على إتيانها في فرجها حال الحيض بجامع الأذى، والقاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أن القياس بالعلة المنصوصة حجة في إثبات الأحكام]، وأثبت بعضهم التحريم من جهة قياس الأولى، وهو ضرب من قياس العلة، وتقريره:

إذا حرُم إتيان المرأة في فرجها حال الحيض لأجل الأذى، فلأن يحرم إتيانها في دبرها من باب أولى، وذلك لأن الأذى في ذلك المحل أفحش وأذم، والقاعدة في الأصول: [أن قياس الأولى حجة في إثبات الأحكام].

قال علاء الدين الكساني -رحمه الله- في بدائع الصنائع (5/ 119):"ولا يحل إتيان الزوجة في دبرها لأن الله تعالى -عز شأنه- نهى عن قربان الحائض، ونبه على المعنى وهو كون المحيض أذى، والأذى في ذلك المحل أفحش وأذم فكان أولى بالتحريم".

وقال أبو بكر ابن العربي -رحمه الله- في أحكام القرآن (1/ 173): "وَسَأَلْت الْإِمَامَ الْقَاضِيَ الطُّوسِيَّ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْفَرْجَ حَالَ الْحَيْضِ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ الْعَارِضَةِ، فَأَوْلَى أَنْ يُحَرِّمَ الدُّبُرَ بِالنَّجَاسَةِ اللَّازِمَةِ".

وقال الفخر الرازي في مفاتيح الغيب (6/ 61): "أن الله تعالى قال في آية المحيض: ژ ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ژ فجعل قيام الأذى علة لحرمة إتيان موضع الأذى، ولا معنى للأذى إلا ما يتأذى الإنسان منه، وههنا يتأذى الإنسان بنتن روائح ذلك الدم، وحصول هذه العلة في محل النزاع أظهر، فإذا كانت تلك العلة قائمة ههنا وجب حصول الحرمة ".

وقال شمس الدين ابن القيم-رحمه الله- في زاد المعاد (3/ 149): "وإذا كان الله حرَّم الوطءَ في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظنُّ بالحشِّ الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان".

وقال -رحمه الله-: "وأيضاً: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عقلاءُ الأطباء منِ الفلاسفة وغيرهم، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وإراحة الرجل منه والوطءُ في الدُّبُر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كلَّ المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي".

واستدل بعضهم بالآية على التحريم من وجه آخر، ومأخذه من قوله تعالى: ژ ? ? ? ?? ژ قالوا: ومعنى ژ ? ? ?? ژ أي الفرج، و"من" بمعنى "في"، أي "في حيث أمركم الله"، والأمر في قوله "فأتوهن" للإباحة، والإتيان كناية عن الوطء، فيكون منطوق الآية: يباح لكم وطء النساء في فروجهن، ومفهومها المخالف الظرفي (ظرف مكان): لايباح لكم وطء النساء في أدبارهن، والقاعدة في الأصول -عند جماعة-: [أن مفهوم المخالفة الظرفي حجة في إثبات الأحكام].

قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم (5/ 94): "وإباحة الاتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريمَ إتيانٍ في غيره، فالإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب".

وقال الماوردي رحمه الله في الحاوي (11/ 435):" وَدَلِيلُنَا: ژ ? ? ? ? ? ? ?? ژ، يَعْنِي فِي الْقُبُلِ، فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ إِتْيَانِهَا فِي الدُّبُرِ".

تنبيهان مهمان:

التنبيه الأول: تحريم إتيان المرأة في دبرها ليس ثابتا بالقرآن عند أهل الظاهر، وذلك لأنهم لا يقولون بحجية القياس، ولا بحجية المفهوم المخالف، ولا يلزم من ذلك عدم قولهم بالتحريم، فالقاعدة في الأصول: [أن عدم الدليل المعين لا يلزم منه عدم المدلول]، وهم يذهبون إلى التحريم كما سبق، ويستندون في ذلك إلى دليل السنة على ما سوف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

التنبيه الثاني: أن الوجه الثاني من دلالة الآية على تحريم إتيان المرأة في دبرها لا يقول به الحنفية، وذلك لأنهم لا يقولون بحجية المفهوم المخالف. انتهى

وأجيب عن الاستدلال بالآية من الوجه الثاني:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير