ـ[أبو المقداد]ــــــــ[07 Apr 2010, 10:18 م]ـ
المسألة الثالثة عشرة:
في الآية دليل على وجوب وطء المرأة بعد طهرها من الحيض.
انظر: المحلى لابن حزم (10/ 40).
ومأخذ الحكم من الآية من قوله:" فأتوهن "، فهذا أمر، والقاعدة في الأصول: [أن الأمر المطلق للوجوب].
وذهب الجمهور إلى عدم وجوب ذلك.
[انظر: رد المحتار لابن عابدين الحنفي (3/ 213)، مواهب الجليل للحطاب المالكي (5/ 255)، روضة الطالبين للنووي الشافعي (5/ 528)، كشاف القناع للبهوتي الحنبلي (5/ 218)].
وأجاب بعضهم عن الاستدلال بالآية: بأن الأمر الوارد في الآية أمر بعد حظر، الحظر في قوله تعالى:"فاعتزلوا النساء في المحيض "، وقوله تعالى:"ولا تقربوهن"، والقاعدة في الأصول-عندهم-: [أن الأمر بعد الحظر للإباحة].
قال الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله- في تفسيره (2/ 203):"فإن قال قائل: أففرض جماعهن حينئذ؟، قيل: لا، فإن قال: فما معنى قوله إذاً: فأتوهن؟، قيل: ذلك إباحة ما كان منع قبل ذلك من جماعهن، وإطلاق لما كان حظر في حال الحيض، وذلك كقوله:" وإذا حللتم فاصطادوا "، وقوله:" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض "، وما أشبه ذلك ".
وقال أبو بكر الجصاص الحنفي -رحمه الله- في أحكام القرآن (2/ 39): "قوله تعالى: " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله "، قال أبو بكر:هو إطلاق من حظر، وإباحة، وليس هو على الوجوب، كقوله تعالى:" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض "، "وإذا حللتم فاصطادوا "،وهو إباحة وردت بعد حظر ".
وأجاب بعضهم بأن الأمر بعد الحظر للوجوب، هذا هو الأصل، لكن أجمعت الأمة على عدم وجوب وطء المرأة بعد طهرها من الحيض، والقاعدة في الأصول: [أن الإجماع يصرف الأمر عن ظاهره]، وبعبارة أخرى: [إذا تعارض الإجماع وظاهر الكتاب قدم الإجماع].
قال الإمام أبو عبد الله القرطبي -رحمه الله- في تفسيره (6/ 43):" قوله تعالى: "وإذا حللتم فاصطادوا" أمر إباحة، - بإجماع الناس - رفع ما كان محظورا بالإحرام، حكاه كثير من العلماء وليس بصحيح، بل صيغة " افعل " الواردة بعد الحظر على أصلها من الوجوب، وهو مذهب القاضي أبي الطيب وغيره، لأن المقتضي للوجوب قائم، وتقدم الحظر لا يصلح مانعا، دليله قوله تعالى: " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين "، فهذه " افعل " على الوجوب، لأن المراد بها الجهاد، وإنما فهمت الإباحة هناك وما كان مثله من قوله: " فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا "،
"فإذا تطهرن فأتوهن " من النظر إلى المعنى والإجماع، لا من صيغة الأمر".
ونوقش الجواب الأول: بأن القاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أن الأمر بعد الحظر للإيجاب ما لم يرد دليل بخلافه]، وبعبارة أخرى: [أن تقدم التحريم على الأمر لا يصرف الصيغة من الإيجاب إلى الإباحة]، وسيأتي تثبيت هذه القاعدة إن شاء الله تعالى.
ونوقش الجواب الثاني:بأن هذا الإجماع المدعى من باب عدم العلم بالخلاف،
والقاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أن عدم العلم بالخلاف ليس بحجة في إثبات الأحكام].
:
((مفاد الأمر بعد الحظر)):
اختلف الأصوليون -رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة على خمسة أقوال، وقبل الشروع في الخلاف لابد من تحرير محل النزاع،
وذلك ليتوارد النفي والإثبات على محل واحد، فأقول:
اتفق الأصوليون على أن الأمر بعد الحظر للوجوب إذا دل دليل على ذلك،
واتفقوا على أن الأمر بعد الحظر للندب إذا دل دليل على ذلك،
واتفقوا على أن الأمر بعد الحظر للإباحة إذا دل دليل على ذلك،
واختلفوا فيما عدا الصور السابقة- أي: صورة الإطلاق- على خمسة أقوال:
القول الأول: أن الأمر بعد الحظر للإيجاب:
وبهذا قال جمهور الأصوليين.
[انظر: روضة الناظر لابن قدامة (2/ 612)، نهاية الوصول للصفي الهندي ].
أدلتهم:
1 - الأدلة الدالة على أن الأمر للوجوب، ومنها:
أ-قوله تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ".
¥