تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتحمل قراءة التشديد على ما إذا انقطع دمها لأقل من ذلك، فمد الله -عز وجل-التحريم إلى غاية وهي الاغتسال، والقاعدة في الأصول: [أن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها في الحكم]، وبناء على ذلك فلا يجوز إتيانها بعد انقطاع الدم إلا إذا اغتسلت،

ووجه التفريق بين الصورتين: أن في الصورة الثانية لا يؤمن عود الدم مرة أخرى.

وأجيب عنه من وجوه:

1 - أن القاعدة في الأصول -على الصحيح-: [أن مفهوم المخالفة الغائي ليس بحجة في إثبات الأحكام].

(القول بعدم حجيته مذهب أكثر الحنفية، انظر: أصول السرخسي (238/ 1)).

ونوقش: بأن ما بعد الغاية يبقى على الأصل، وهو -هنا- حل إتيان الرجل لامرأته،

والقاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أن الاستصحاب حجة في إثبات الأحكام].

2 - أن هذا الاستدلال متضمن للتأويل (تخصيص العموم)، والقاعدة في الأصول: [يجب حمل الألفاظ على ظاهرها ولا يجوز تأويلها إلا بدليل]، ولا دليل!، أو بعبارة أخرى القاعدة في الأصول: [يجب العمل بالعام على عمومه ما لم يرد دليل بالتخصيص]، ولا دليل!.

(العموم في قوله: تقربوهن: فضمير الجمع هن يرجع إلى عام، وهو لفظ النساء، والقاعدة في الأصول: [أن ضمير الجمع إذا عاد إلى عام أفاد العموم]).

3 - أن هذا الاستدلال متضمن لحمل اللفظ على حقيقته ومجازه، وذلك أن قوله تعالى: "فإذا تطهرن " حمل على حقيقته -أي: الاغتسال- إذا نقطع الدم لأقل من عشرة أيام، وحمل على مجازه -أي: انقطاع الدم- إذا انقطع الدم لعشرة أيام فأكثر،

والقاعدة في الأصول: [أنه لا يجوز حمل اللفظ على حقيقته ومجازه في آنٍ واحد].

انظر: أحكام القرآن للكيا الهراسي الشافعي -رحمه الله- (139/ 1).

4 - لا يسلم بأن قراءة التخفيف محمولة على انقطاع الدم، بل هي لغةٌ في معنى قراءة التشديد (غسل جميع الجسد، أو غسل الفرج)،

ويكون هذا من باب الجمع بين اللغتين في آية واحدة، كما قال تعالى: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ".

ونوقش:

بأن حمل قراءة التخفيف على انقطاع الدم أكثر فائدة، والقاعدة في الأصول-عند جماعة-: [أن كثرة الفائدة مرجحة عند تعارض المعاني].

وردت المناقشة من وجهين:

أ-أن القاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أن كثرة الفائدة ليس مرجحة عند تعارض المعاني]، ومن ثم يبقى الاجمال، ومأخذ هذه القاعدة:

أن كثرة الفائدة إنما تكون بعد إرادة المعنى الذي يقتضيها، فلا يستدل بكثرة الفائدة عليه، وإلا لزم الدور.

ب-أن الفائدة المدعاة لا تتحقق إلا بتأويل العموم من غير دليل، وقد تقدم، والقاعدة في الأصول: [أن بقاء اللفظ على ظاهره آكد من اعتبار كثرة الفائدة].

وإذا تقرر ذلك فلا يصح استدلالهم بهذه الآية.

وقد ذهب الظاهرية إلى أنه يجوز إتيان المرأة الحائض إذا انقطع دمها وغسلت جميع جسدها بالماء، أو توضأت وضوءها للصلاة،

أو تيممت عن أحدهما إذا كانت من أهل التيمم، أو غسلت فرجها بالماء.

انظر المحلى لابن حزم (م:256).

واستدلوا على ذلك بهذه الآية، ومأخذ الحكم من قوله تعالى: " حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن ".

قالوا: قوله: " حتى يطهرن " أي حتى ينقطع عنهن الدم، وقوله: " فإذا تطهرن " أي اكتسبن الطهر، وكل ما ذكرناه في بيان المذهب يسمى في الشريعة واللغة تطهرا وطهورا وطهرا (مشترك لفظي)، فأي ذلك فعلت فقد طهرت،

والدليل على أن الاغتسال يسمى تطهرا قوله تعالى: " وإن كنتم جنبا فاطهروا "،

والدليل على أن الوضوء يسمى تطهرا قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة بغير طهور "، والدليل على أن التيمم يسمى تطهرا قوله صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "، والدليل على أن غسل الفرج يسمى تطهرا قوله تعالى: " فيه رجال يريدون أن يتطهروا ".

والقاعدة في الأصول-عند جماعة-: [أن المشترك اللفظي إذا لم يقم دليل على تعيين أحد معانيه فإنه يحمل على أحد هذه المعاني على سبيل التخيير].

انظر: المحلى لابن حزم (م:256).

وأجيب:

- أن هذا استدلال بمفهوم المخالفة الشرطي، والقاعدة الأصول-على الصحيح-: [أن مفهوم المخالفة الشرطي ليس بحجة في إثبات الأحكام].

(ملحوظة: أكثر أهل الظاهر على عدم حجيته، ومنهم: أبو محمد ابن حزم -رحمه الله-، وهنا قال بمقتضاه!!)

-أن القاعدة في الأصول-على الصحيح-: [لا يجوز حمل المشترك على أحد معانيه على سبيل التخيير]، أو بعبارة أخرى: [يجب التوقف في المشترك إلى أن يرد دليل على إرادة أحد معانيه].

قال أبوعبدالله -غفر الله له -: التحقيق في هذه المسألة أنه يجوز إتيان الحائض إذا انقطع دمها، وغسلت فرجها، ودليل ذلك:

أن الله عز وجل إنما حرم وطء الحائض لعلة وهي: الأذى، وذلك في قوله: " قل هو أذى فاعتزلوا النساء "، ومن معلوم أن الأذى يزول بغسلها لفرجها، والقاعدة في الأصول: [أن الحكم يزول بزوال علته].

(فائدة):

* نسب ابن العربي المالكي هذا القول للإمام داود بن علي الظاهري رحمه الله،

لكن في المحلى لابن حزم أن الظاهرية يقولون بأنها لا تحل إلا بأحد أربعة أمور على سبيل التخيير كما تقدم.

و نسبه أبو الوليد ابن رشد للإمامين الأوزاعي، وابن حزم رحمهما الله تعالى،

لكن نقل الفخر الرازي في التفسير عن الأوزاعي أنه يقول بوجوب الغسل كقول الجمهور، وأما بالنسبة لابن حزم فقد تقدم أنه لا يقول بذلك.

أحكام القرآن لابن العربي (218/ 1)، المحلى لابن حزم (م:256).

بداية المجتهد (130/ 1)، مفاتيح الغيب للرازي (68/ 6).

.................................................. ..................................

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير