تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خرجت كالمعتاد في الصباح ذاهباً إلى المبنى القديم لدار الكتب المصرية في باب الخلق، لأطلع على بعض الكتب المطبوعة طبعات قديمة، كنت يوم الثلاثاء الماضي قد قَدَّمْتُ طلباً للاطلاع على كتابين، قالوا إنهم سيجلبونهما من الدار الجديدة، وهذا يحتاج إلى عدة أيام ووعدني الموظف بيوم السبت هذا، وذهبت أصطنع النشاط الذي استنفد معظمه زحام الأوتوبيس، ومن العتبة ركبت الطُرْمَاي لعدة دقائق، ثم دخلت الدار، واستفتحت بتلك الوجوه الحزينة، وسألت عن الكتب التي طلبتها، وإذا بالموظف لم يأت بعد، وقالوا إنه لن يأتي هذا اليوم، وحاول من يقوم مقامه أن يعثر على الكتب التي طلبتها، كان الجواب أنها لم تصل إلى الآن، تحتاج إلى ثلاثة أيام أخرى! وحاولت أن أستفيد من هذا الصباح الذي ذهب نصفه هدراً فطلبت كتابين للاطلاع عليهما مما تضمه الدار، وجلست ما لا يقل عن نصف ساعة لينادي الموظف علي، فإذا أحدهما غير موجود، وهكذا فإن الوقت يذهب بين البحث والانتظار وتجهم هؤلاء الموظفين الذين يشعرون بالحرمان، ويحاولون أن يلحقوا بالركب بأي ثمن كان، ولا أشك أن العلة التي تشكو منها دار الكتب المصرية هي نفسها التي تشكو منها مكتبات القاهرة، وهي نفسها التي تشكو منها دوائر الحكومة كلها في مصر، إنها حاجة الموظف التي أدت إلى فقدان الأمانة والإخلاص، وما أصعب الأمر إذا أريد الإصلاح من غير أن تغسل هذه النفوس من الداخل من كل ذلك الخبث، وتملأ بنور جديد من الإسلام الخالد.

زيارة خاصة

الأحد 26 كانون الثاني 1975م = 14 محرم 1395هـ

خرجنا من الشقة حوالي السابعة صباحاً، خلاف الأيام السالفة، كنا مسرعين، وركبنا بتكسي إلى ميدان رمسيس، وانتظرنا قليلا حتى حضر الأخ محسن وركبنا القطار إلى العرب .. وفي الطريق قبل أن نخرج من أطراف القاهرة توقف القطار في إحدى المحطات، وإذا برجل ينادي علينا أن انزلوا بسرعة، وإذا بسيارة تكسي تنتظرنا وركبناها كنا خمسة، فراحت تتهادى مبتعدة عن القاهرة، تارة تمر في وسط حقل من التين الشوكي، وأخرى وسط مزرعة للبرسيم، وثالثة وسط بستان من النخيل والفواكه، أو قرب معمل دخانه يعصف، أو في طريق وسط أرض جرداء على ضفاف نهر، وانتهينا إلى العرب بيوت تشبه بيوت قُرَانا في العراق، كان الأطفال مندهشين ومتعجبين بالسيارة، فهم يجرون خلفها، البساطة والفطرة، وإذا نحن أمام عالم آخر غير عالم القاهرة، أحاديث عن الماضي والحاضر، وتطلعات إلى المستقبل، وكأننا في حلم يتجاوز حدود الزمن، ونعبره عبر الماضي إلى عشرات من السنين الماضية لكي نلتقي بالذكريات والرجال صانعي تلك الذكريات، فتأخذنا نشوه عظيمة، وننصت إلى الأحاديث التي سمعناها ولأول مرة نسمعها بهذا الوضوح والبساطة، كانت تلك الكلمات قد ملكت علينا قلوبنا وأسماعنا فلا زلنا منصتين حتى آذن الوقت بالانقضاء، وانطلقت بنا السيارة إلى القاهرة مرة أخرى، ودخلنا أطرافها والنجوم قد بدت واضحة، وضمنا ليل القاهرة، لكن تلك الذكريات لا يمكن أن يغطيها ليل أو يمحوها نهار.

في معرض الكتاب

الجمعة 31 كانون الثاني 1975م = 19 محرم 1395هـ

افتتح مساء يوم الأربعاء الماضي معرض القاهرة الدولي للكتاب، وكان قد افتتح في السنة الماضية في مثل هذا الوقت أيضاً، ذهبت أمس أنا والأخ خليل منذ الصباح، وظللنا نمتع النظر والفكر في هذه الأعداد الضخمة من الكتب، في كل اللغات ومن مختلف الدول عربية وأجنبية، واشتريت بعض الكتب ذات المساس بموضوع القراءات وتاريخ القرآن، ولعل أجل الكتب التي اشتريتها: كتاب التيسير لأبي عمرو الداني، وغاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري، وكتاب نكت الانتصار للباقلاني، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد، مع مجموعة أخرى من الكتب، ولكني أجد نفسي هذه السنة أقل اندفاعاً في شراء الكتب، ربما لأنني أستحضر دائماً قصة شحنها، أو لأن الكتب الجيدة في نظري على الأقل نادرة، أو لأن الكتب هذه السنة أكثر غلاء، وكذلك كنت أحس أن حركة الناس في المعرض أكثر فتوراً من السنة الماضية وأقل عدداً، ويبدو أن الكتب الجديدة أيضاً قليلة، مع ارتفاع الأثمان، والنغمة السائدة الآن في مصر لا بل في العالم كله هي أزمة الورق، فقد تضاعف ثمن الورق بكل أنواعه مع قلته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير