وفي الغرب يقولون كل شيء عن الإسلام وعن القرآن، ولكني أقول إن هذا مبلغ علمهم {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}، وأتقبل ما يقولون، لكن أن يأتي عربي ويظهر أمام الغربيين بالسب في الإسلام؛ ليجتذب لنفسه سمعة وشهرة ومروجين ومساعدين، فهذا أعتبره أخس الخسة.
وشخصيا أجد الغربيين العقلاء، خاصة في بريطانيا، يحترمون المسلم الذي يحترم دينه وكتابه والقانون الإنجليزي، وهم يرونه رجلا ثقة يعتمد عليه، أما الذي "يتسخف" بدينه وأصله وولائه لأهله، فكيف تثق فيه كصديق؟ والرسول صلى الله عليه وسلم قال عن وصف المؤمنين الصالحين أنهم:"يألفون ويؤلفون"، وليسوا انعزاليين أو يعيشون في "الفيتو".
الترجمة تكون بلسان القوم
* أكيد أن الاجتهاد حق لكل فرد في تفسير أو تأويل آي القرآن لكن ما هي المآخذ الكبرى التي تراها على مثل من ذكرناهم؟
- أكرر أنه لكل إنسان الحق في أن يتكلم ويفكر، لكن عن بينة وفهم وعلم، ونحن نجد في تراثنا الإسلامي خاصة في التفسير أشياء عظيمة جدا، وفيه أيضا أشياء أقل قيمة علميا، ومن أراد اقتحام هذا المجال يجب أن يكون عارفا بكل هذا، ومدركا لمعاني القرآن وأساليبه في التعبير عن بيانه، وأن يكون قصدك وجه الله، أو على الأقل أن يقصد بيان العلم للناس إن لم يرد قصد الله، ومن الغربيين أناس جادون لا يدخل أحدهم على القرآن لينتقده مسبقا، بل يقول أجتهد وهذا جهدي.
* من خلال تجربتكم الطويلة في هذا الجانب العلمي ما الذي تحتاجه علوم القرآن في الوقت المعاصر؟
- نحن نعيش عصرا جديدا، وكمسلمين يجب أن نفهم عصرنا، وقد مضى على القرآن أكثر من 14 قرنا، وكل جيل يفهمه فهما مغايرا عمن سبقهم وفهمهم كان قيما، وفسروا القرآن بالطريقة التي يظهر فيها وعيهم بالظروف الموجودة في عصرهم مع الالتزام بأصول الإيمان.
وهو خلاف ما نجدهم اليوم ممن يريدون تغيير القرآن، وشخصيا لا أحتاج لتغيير أي شيء في القرآن، وأعيش في الغرب حياة عادية مع مسيحيين ويهود وفي كل شيء، ولا يرى مني أني جامد أو منعزل، بل أصلي صلواتي الخمس وأصوم في وسطهم ولا أشرب الخمر، وأشترك معهم في كل شيء غير محرم، وعندما أجد فهما معوجا للفقه أرى ضرورة التنبيه إليه.
وأضرب مثلا عند الحديث عن المرأة وتعليمها، وهو حديث أستغرب منه؛ لأنه كلام فات عليه 14 قرنا، ولكن بعض المتأخرين من سلفنا هم من أساءوا الفهم.
وبعض المسلمين يعيشون حاليا بإنجلترا، وفي بلدهم كانت المرأة مقهورة، فيلزم بنته أن تتزوج ولدا من القرية نفسها ويقهرها على ذلك، وأرى أن هذا ضد تعاليم الدين الإسلامي، وليس ضد الروح العصرية للغرب؛ لأني لا أحتاج لهذا التبرير، بل هو ضد ما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم وما قضى به، وهو ما يفرض علينا توسيع فهمنا للقرآن الكريم.
وعلى المستوى الغربي يجب أن تقدم لهم ترجمة القرآن بلسانهم، الذي يروق لهم أن يقرءوا به، ونشر دراسات قرآنية، وهذا ما نفعله في مركز الدراسات الإسلامية، ونحن نترجم من خلال مجلة "دراسات قرآنية" أعمق أعمال المسلمين إلى اللغة الإنجليزية وبترجمة تروق للقوم، وننشرها عند أعظم ناشر.
وبدل أن يكون هناك كلام المستشرقين وترجمة بعض المسلمين الرديئة، التي كانت مكتوبة لقرى في الهند أو إفريقيا أو شرق الجزيرة العربية من قرون، وننقلها كما هي، فهذا يصد الناس عن الإسلام.
ولتجاوز ذلك قمنا بترجمة دراستين كتبهما الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله، عنوان إحداهما "دستور الأخلاق من القرآن"، و"مقدمة لدراسة القرآن"، وكتبهما للغربيين غير المسلمين في الأربعينيات، وبالطريقة التي أراد أن يقول، ولم يقل المستشرقون الفرنسيون في السوربون، وفي وقت كانوا فيه ضد المسلمين أثناء استعمارهم لشمال إفريقيا إنه عمل لن ينجح، بل أنجحوه ومنحوه دكتوراه دولة؛ لأنه كتبها بالطريقة التي يفهمون وتقنعهم، ونحن قمنا بترجمتها إلى الإنجليزية ونشرهما ناشر ناجح عالميا.
ونريد تكرار هذا الفعل ليقيننا بوجود كتب نفيسة في التراث العربي يجب ترجمتها ترجمة عاقلة؛ لجعلها تروق للبيئة الغربية غير الإسلامية.
نحو لغة إنجليزية إسلامية
* من الشائع مقولة إن "الترجمة خيانة للنص الأصلي"، كيف نحكم على ترجمة القرآن؟
- صاحب المقولة كان يمزح وهو يقول هذا الكلام، وهي غير شائعة، وطبعا هناك بعض الترجمات خانت النص القرآني، فالذي يدخل المجال بدافع النقض والتشويه والإساءة، أو يدخله بجهل وهو غير مؤهل لذلك، ويعوزه علم باللغة العربية وبيانها وأساليب القرآن الكريم وإتقان اللغة الأجنبية التي يترجم إليها القرآن، فهذا أعتبره خيانة، وإذا دخل بنية حسنة، فهذا يكون ضمن دائرة اجتهاد الحاكم: "إذا اجتهد الحاكم وأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران".
* هل لديكم رسالة توجيهية في هذا المجال ترون ضرورة الأخذ بها أثناء التعامل مع الترجمة؟
بالنسبة لموقع "إسلام أون لاين" وما دام جمهوره من المتصفحين مسلمين، ويتابعه مسلمون من لندن وباقي الدول الغربية، إذا كتب للغربيين لا بد أن تكون الكتابة مقنعة لهم، وليس فقط أن نكتب لمسلم نشأ في بيئة عربية إسلامية، فالكلام يجب أن يختلف من شريحة لأخرى.
وشخصيا عندما أخطب في صلاة الجمعة عندنا في الجامعة في بعض الأحيان يقال لي إن خطبتي مثل المحاضرة، وليست خطبة واعظ؛ لأنها محاولة للإقناع والتدقيق، فلكل زمان ومكان طريقة خاصة بنقل العلم.
وللأسف لم نستطع إنشاء لغة إنجليزية إسلامية، وفي الترجمة أحاول جعل "اللغة الإنجليزية لغة إسلامية"، مثلما العربية لغة إسلامية، والفارسية لغة إسلامية، والتركية لغة إسلامية.
فالفرس والأكراد والترك يقرءون عن إسلامهم بلغتهم، ويحسون بما يحس به العرب بلغتهم العربية، ونحن نريد أن نفعل ذلك مع الإنجليزية رغم أنه يحتاج لوقت طويل وجهد كبير وفكر رشيد وإنفاق على العلم.
المصدر:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout&cid=1225698041388
¥