فبعضها واضح لا يشكل على أحد، وبعضها يشكل على العامة دون العلماء، وبعضها يختلف فيه العلماء، وبعضها لا يعلمه إلا الله، وقد ورد عن ابن عباس ما يؤيد هذا التقسيم، وورد أيضا عن السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم نصوص كثيرة جدا تؤيد هذا التفاوت في دلالة النصوص، كقول بعضهم: إن القرآن حمال وجوه، وكتوقف بعضهم عن تفسير بعض الآيات دون بعض، وكاختلافهم في فهم بعض الآيات، إلى غير ذلك.
فالخلاصة أن ظنية دلالة بعض آيات القرآن بالمعنى السابق شرحه لا ينازع فيه أحد بعد توضيح المراد به.
ـ[الخطيب]ــــــــ[23 Apr 2010, 07:44 م]ـ
أخي أبا سعد الغامدي
أعتذر عن التأخير لظروف السفر
وقولك:
{سلمنا وجود الألفاظ المشتركة في القرآن، كلفظ: القرء، وأن دلالة المشترك على أحد معانية ظنية}
يظهر به أنه لم يعد لديك إشكال في القناعة بوجود ظني الدلالة في القرآن، وهو أمر مسلم به وشواهده كثيرة جدا، محلها كل موضع قابل للاختلاف في دلالته.
لكنك استشكلت بعد التسليم بوجود ظني الدلالة ما عبرت عنه بقولك:
{فكيف يخرج المكلف من العهدة أمام نص مشكل وهو مأمور بأن يعمل بمقتضى ذلك النص؟}
وفي رأيي أن هذا الاستشكال غير متجه إذا قصدت بالمشكل مطلق الخفاء، فهذا لا يكون أبدا في آيات الأحكام التي يطالب المكلف فيها بالعمل، أما إذا قصدت الخفاء النسسبي وهو الذي يبين بطرق أخرى من النقل أو العقل، فأقول لك:
نعم قد تخفى الدلالة في بعض الآيات لأسباب تعود إلى إجمال في اللفظ أو اشتراك فيه أونحو ذلك، لكن هذا كله، له سبله الكاشفة التي بها يزول الإشكال، فالإجمال مثلا يزول بالتفصيل الذي تتولاه نصوص أخرى في القرآن نفسه أو في السنة.
والاشتراك أيضا ينحل أمره بعمل العلماء ونظرهم، مهما أدى ذلك إلى اختلافهم في تحديد أي معاني المشترك هو المراد، فإن ما يصل إليه المجتهد في ذلك هو مراد الله في حقه، وحق من قلده.
يقول الزركشي في كلام طويل -عن اللفظ الذي يحتمل معنيين فصاعدا - أجتزئ لك بعضه:
أن يتنافيا اجتماعًا ولا يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كلفظ " القرء " حيث هو حقيقة في الحيض والطهر فعلى المجتهد أن يجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه فإذا وصل إليه كان هو مراد الله في حقه وإن اجتهد مجتهد آخر فأدَّى اجتهاده إلى المعنى الآخر كان ذلك مراد الله تعالى في حقه لأنه نتيجة اجتهاده وما كلف به .... أ. هـ.
وعلى هذا فالخروج من العهدة كما ورد في سؤالك يكون بالاجتهاد لمن تتوافر فيهم شروطه، وبتقليد بعض المجتهدين لمن لا تتوافر فيهم شروط الاجتهاد.
وأما قولك:
{ألا يتصادم القول بظنية الدلالة مع وصف القرآن بأنه بين وميسر للذكر؟}
فأقول لك: لا تصادم ولا إشكال، فكون القرآن بينا أعم من أن يكون بينا بذاته أو بغيره
فأما بيانه بذاته، فحاصل في الآيات قطعية الدلالة كآيات العقائد وكثير من آيات الأحكام، وكل ما لا يعذر أحد بجهله.
وأما بيانه بغيره، فبعضه كان من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، كتفصيل المجمل ونحوه، وبعضه ببيان علماء الأمة من السلف ومن بعدهم.
والأصل في لك قول الله تعالى:
[وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ]
فقوله [لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] هو في بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، لما احتاج إلى بيانه من قبله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] هو في بيان العلماء وفهمهم لما لم يرد في بيانه نص.
وهذا هو الجواب مجملا، فإن احتاج بعض الكلام إلى التفصيل، أو كان لكم عليه استدراك وتعقيب، فالحوار مفتوح، وأنا في انتظار ردكم.
محبكم أحمد سعد الخطيب
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[23 Apr 2010, 09:47 م]ـ
يقول محمد رشيد بن علي رضا في تفسير المنار:
مَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ مِنَ النُّصُوصِ فَهُوَ الشَّرْعُ الْعَامُّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعُهُ عَمَلًا وَقَضَاءً، وَأَنَّ مَا كَانَ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْأَفْرَادِ فِي التَّعَبُّدَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ فِي الْأَحْكَامِ الْقَضَائِيَّةِ
ويقول أيضاً:أَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ الْعَامَّةَ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ وَيُكَلَّفُ الْعَمَلَ بِهَا كُلُّ مَنْ بَلَغَتْهُ إِنْ كَانَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي خُوطِبَ بِهَا أَفْرَادُ الْأُمَّةِ كُلُّهُمْ، وَيُنَفِّذُهَا أَئِمَّتُهَا وَأُمَرَاؤُهَا فِيهَا، هِيَ مَا كَانَتْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ بِبَيَانٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ لَا حُجَّةَ مَعَهُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهِ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا مَنُوطٌ بِالِاجْتِهَادِ، فَمَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ نَصٍّ ظَنِّيِّ الدَّلَالَةِ حُكْمٌ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ مُرَادُ اللهِ مِنَ الْآيَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، كَمَا وَقَعَ عِنْدَ نُزُولِ آيَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إِذْ فَهِمَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (2: 219) تَحْرِيمَهُمَا فَتَرَكَ، وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَتَّى بَيَّنَ اللهُ تَحْرِيمَهَا مَعَ الْمَيْسِرِ بَيَانًا قَطْعِيًّا. والله أعلم
¥