وقال الصبان في حاشيته عليه: وبما ذكره الشارح يرد ما استدل به بعض العلماء في قوله تعالى: {ثَلاَثَةَ قرواء} [البقرة: 228]. {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} [النور: 4] على أن الأقراء الأطهار لا الحيض، وعلى أن شهادة النساء غير مقبولة. لأن الحيض جمع حيضة: فلو أريد الحيض لقيل ثلاث، ولو أريد النساء لقيل بأربع.
ووجه الرد أن المعتبر هنا اللفظ، ولفظ قرء وشهيد مذكرين، منه بلفظه.
فالجواب، والله تعالى أعلم، أن هذا خلاف التحقيق، والذي يدل عليه استقراء اللغة العربية جواز مراعاة المعنى مطلقاً، وجزم بجواز مراعاة المعنى في لفظ العدد ابن هشام، نقله عنه السيوطي، بل جزم صاحب التسهيل وشارحه الدماميني: بأن مراعاة المعنى في واحد المعدود متعينة.
قال الصبان في حاشيته ما نصه: قوله: فبلفظه ظاهره أن ذلك على سبيل الوجوب، ويخالفه ما نقله السيوطي عن ابن هشام وغيره من أن ما كان لفظه مذكراً، ومعناه مؤنثاً، أو بالعكس، فإنه يجوز فيه وجهان اه.
ويخالفه أيضاً ما في التسهيل وشرحه للدماميني. وعبارة التسهيل تحذف تاء الثلاثة وأخواتها، إن كان واحد المعدودات مؤنث المعنى حقيقة أو مجازاً.
قال الدماميني: استفيد منه أن الاعتبار في الواحد بالمعنى لا باللفظ. فلهذا يقال ثلاثة طلحات. ثم قال في التسهيل: وربما أُول مذكر بمؤنث، ومؤنث بمذكر، فجيء بالعدد على حسب التأويل، ومثل الدماميني الأول بنحو ثلاث شخوص، يريد نسوة، وعشر أبطن، يريد قبائل.
والثاني بنحو ثلاثة أنفس، أي أشخاص، وتسعة وقائع، أي مشاهد، فتأمل. انتهى منه بلفظه. وما جزم به صاحب التسهيل وشارحه، من تعين مراعاة المعنى، يلزم عليه تعين كون القرء في الآية هو الطهر كما ذكرنا.
وفي حاشية الصبان أيضاً ما نصه: قوله: جاز مراعاة المعنى في التوضيح أن ذلك ليس قياسياً، وهو خلاف ما تقدم عن ابن هشام وغيره، من أن ما كان لفظه مذكراً، ومعناه مؤنثاً، أو بالعكس، يجوز فيه وجهان، أي ولو لم يكن هناك مرجح للمعنى، وهو خلاف ما تقدم عن لتسهيل. وشرحه أن العبرة بالمعنى، فتأمل اه منه.
وأما الاستدلال على أنها الحيضات بقوله تعالى: {واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض} [الطلاق: 4] الآية - فيقال فيه إنه ليس في الآية ما يعين أن القروء الحيضات، لأن الأقراء لا تقال في الأطهار إلا في الأطهار التي يتخللها حيض، فإن عدم الحيض عدم معه اسم الأطهار، ولا مانع إذن من ترتيب الاعتداد بالأشهر على عدم الحيض مع كون العدة بالطهر. لأن الطهر المراد يلزمه وجود الحيض وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، فانتفاء الحيض يلزمه انتفاء الأطهار فكأن العدة بالأشهر مرتبة أيضاً على انتفاء الأطهار، المدلول عليه بانتفاء الحيضز وأما الاستدلال بآية {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] فهو ظاهر السقوط. لأن كون القروء الأطهار لا يبيح للمعتدة كتم الحيض. لأن العدة بالأطهار لا تمكن إلا بتخلل الحيض لهاز فلو كتمت الحيض لكانت كاتمة انقضاء الطهر، ولو ادعت حيضاً لم يكن، كانت كاتمة. لعدم انقضاء الطهر كما هو واضح.
وأما الاستدلال بحديث «دعي الصَّلاة ايام أقرائك» فيقال فيهك إنه لا دليل في الحديث ألبتة على محل النزاع. لأنه لا يفيد شيئاً زائداً على أن القرء يطلق على الحيض. وهذا مما لا نزاع فيه.
أما كونه يدل على منع إطلاق القرء في موضع آخر على الطهر فهذا باطل بلا نزاع، ولا خلاف بين العلماء القائلين: بوقوع الاشتراك في: أن إطلاق المشترك على أحد معنييه في موضع، لا يفهم منه منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر.
ألا ترى أن لفظ العين مشترك بين الباصرة والجارية مثلاً، فهل تقول إن إطلاقه تعالى لفظ العين على الباصرة في قوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس والعين بالعين} [المائدة: 45] الآية - يمنع إطلاق العين في موضع آخر على الجارية، كقوله: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} [الغاشية: 12].
¥