فبعضها واضح لا يشكل على أحد، وبعضها يشكل على العامة دون العلماء، وبعضها يختلف فيه العلماء، وبعضها لا يعلمه إلا الله، وقد ورد عن ابن عباس ما يؤيد هذا التقسيم، وورد أيضا عن السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم نصوص كثيرة جدا تؤيد هذا التفاوت في دلالة النصوص، كقول بعضهم: إن القرآن حمال وجوه، وكتوقف بعضهم عن تفسير بعض الآيات دون بعض، وكاختلافهم في فهم بعض الآيات، إلى غير ذلك.
فالخلاصة أن ظنية دلالة بعض آيات القرآن بالمعنى السابق شرحه لا ينازع فيه أحد بعد توضيح المراد به.
سؤالك هذا عالجته في كتابي مفاتيح التفسير في مصطلحين من مصطلحات الكتاب هما:
1 - الدليل الظني 1/ 479
2 - الدليل القطعى 1/ 480
ومجال قطعية الثبوت والدلالة ماثل في آيات العقائد وبعض آيات الأحكام ومجال قطعية الثبوت وظنية الدلالة ماثل في بعض آيات الأحكام، ولأجل ذلك حدث الاختلاف بين الفقهاء.
وما قيل في القرآن الكريم يقال أيضا في المتواتر من الأحاديث النبوية والقراءات القرآنية.
والله أعلم
فأما بيانه بذاته، فحاصل في الآيات قطعية الدلالة كآيات العقائد وكثير من آيات الأحكام، وكل ما لا يعذر أحد بجهله
موضوعٌ قيِّم وحوارٌ ماتع، جزى الله الإخوة الفضلاء خيراً
وما وددت التعليق عليه هو تمثيل بعض الإخوة لقطعيّ الدلالة بآيات العقائد.! مما نحسبه سبق قلم منه.
إذ لا يقول به أحد من االعلماء في الأصول، لأن كون نصّ ما ظني الدلالة لا علاقة له بموضوعه البتة
(سواء كان في العقائد أو الأحكام)
وما كنت لأعلّق لولا أني ألمس من خلال المنتديات من ينتمون إلى السلفية في الألوكة ومنتدى أهل الحديث قد أصفقوا على هذا الخطأ الفاحش، إذ يتعاملون مع كل نصّ في العقائد على أنه قطعي الدلالة حتى ولو كان النص ظني الثبوت كأحاديث الآحاد في البخاري ومسلم وغيرها.
وهذا القصور في الفهم منهم والذي أشاعه بينهم بعض المتصدرين للخطابة والفتوى في بلادهم هو الذي فرق شمل المسلمين وصدّ الناس عن الخير.
نعوذ بالله من الخذلان.
بل إن كل ما لم يُجمع العلماء على فهم واحد لدلالته هو ظني الدلالة مهما كان موضوعه عقائد وأحكاما وآدابا ومما هو ظني الدلالة ولا ريب
ـ آيات الصفات الحسية كلها. ولذلك كان لأهل السنة 3 فهوم أو 3 دلالات رئيسة
1ـ فهم ابن الجوزي وجماعة من السلف والخلف "ومذهب السلف هو التوقف الكامل في المتشابهات من غير تأويل ولا إثبات. ومن أثبت فيُسأل هل المراد من الإثبات حقيقة العضو؟ فإن قال نعم فهو تجسيم لأن الإشارة الحسية إليه جائزة، وإن قال لا (ليس المراد من الإثبات حقيقة العضو) فهو تأويل وإن زعم أنه لا يُؤول، وبالجملة فكلاهما (الإثبات والتأويل) ليس مذهب السلف (بل التوقف وإمرارها كما جاءت، على مراد الله) "
2ـ فهم ابن تيمية وجماعة من متأخري الحنابلة "مذهب السلف هو إثبات الظاهر مع نفي المماثلة بلا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل".
ويبدو أن هذا الفهم للدلالة قد كان شائعا بين تيار من أهل السنة منذ القرن الخامس حيث نجد
الزمخشري رحمه الله يهجو أهل السنة من خلاله بقوله
وجماعةٌ سمّوا هواهم سُنةً * لجماعةٌ حُمْرٌ لعمري موكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوّفوا * شنع الورى فتستّروا بالبلكفة
يعني بقولهم بلا كيف. وهذه الحدة في قوله كانت بسبب التوتر بين أهل السنة والمعتزلة في عصره،، منذ ما سمي بالانقلاب السني في عصر المتوكل. وقد بلغ اوجه عام 408 حين نشر الخليفة القادر عقيدته السنية التي جاء فيها ومن قال بخلق القرآن فهو حلال الدم. مما لم يكن ينبغي أن يحصُل.
3ـ فهم الغزالي وما شاع من مذهب الأشعرية "ومذهب السلف هو التأويل وإن لم يُنقل عنهم تأويل لأنهم كانوا يفهمون اللغة على السليقة فكانوا يؤولون وينزهون الباري تعالى عن الجسمانية وإن لم ينقل عنهم تأويل"
فهذا خير دليل على أن آيات العقائد من المتشابه المتعدد الدلالة
ـ وأكثر تفصيلات العقائد ظنية الدلالة.
وغفلة المتصدرين للوعظ والدعوة عن هذه المسألة (لكيلا نقول جهلهم بها) قد جلب على أهل السنة الويلات وجعلهم يكفرون بعضهم ويفسقون بعضهم ويبدعون بعضهم ويجهلون بعضهم.
وما أرى الذين يتعاملون مع ما هو ظني الدلالة على أنه قطعي الدلالة بمنأى عن قوله تعالى "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله"
والتأويل الذي في الآية ليس التأويل المصطلح عليه في علم أصول الدين، ومن فهمه كذلك
فقد وقع في فهم النص بمفهوم متأخر، بل هو القطع بدلالة واحدة لنص ما إلى القطع بدلالته سبيل.
وبعض "علماء" العصر يجيزون أن يسأل المسلم أخاه أين الله؟
على الرغم من أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يسألوا بعضهم أين الله!!!
وهذا من قياسهم الناقص حيث فهموا نصا ظني الثبوت والدلالة على غير وجهه وحملوه على غير محمله. فقد روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل جارية ليعلم أمسلمة هي أم لا: أين الله. .؟ فقاموا وتوجهوا بهذا السؤال إلى من يعلمون يقينا أنه مسلم. ففعلوا ما لم يفعله الصحابة ولا تابعوهم ولا فضلاء المسلمين على التاريخ!
إن هذا الموضوع المهم جدا الذي افتتحه الأخ الغامدي هو أهم ما تسلط عليه الأضواء
فلو اتفق المسلمون أن تكون الدعوة إلى الله تعالى، إلى ما هو قطعي الدلالة، أي إلى ماأجمع العلماء على دلالته من النصوص في العقائد والأحكام لأصابنا خير كثير ولآتت الدعوة أكلها ولعاد آخر هذه الأمة إلى ما صلح به أولها.
¥