فهي سنة ربانية ... فكلما كثرت المعاصي, والظلم والقتل, وإشاعة الفاحشة؛ كثرت المصائب العامة من الأعاصير المهلكة، والفيضانات المغرقة، والزلازل المدمرة، والبراكين المحرقة، والأمراض الفتاكة، والطواعين العامة، والحروب الطاحنة، والنقص والآفات في النفوس والزروع والثمار، وغيرها من المصائب التي يخوف الله بها العباد، ويذكرهم بقوته وسطوته، وأنهم إن تركوا أمره لم يبال بهم في أي واد هلكوا، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
وليست هذه بآخر الكوارث التي ستصيب من أعرض عن منهج الله وطغى وظلم وتجبّر: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ، أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ، حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
17 ـ مصائب قوم عند قوم فوائد:
أمام هذه الكارثة الاقتصادية لشركات الطيران العالمية, زاد الطلب على القطارات والباصات والعبارات المائية ... وزاد الضغط كذلك على الفنادق.
ونشطت شركات السكك الحديدية التي سيرت قطارات إضافية بين دول أوروبا ... وارتفعت أسعار الرحلات عموما ...
فسبحان مقسم الأرزاق، فبينا أولئك يتجرعون مرارة خسائرهم الفادحة، ينعم هؤلاء بأرباح خيالية لم تكن لهم يوما بالحسبان!!
18 ـ استحضار نعم الله علينا:
فمن نظر إلى ما أصاب الناس في المطارات، ونومهم على المقاعد، وقد أرهقهم التعب وأقلقهم الترقب والانتظار، استحضر نعمة الله عليه بالراحة والطمأنينة والأمان.
والمؤمن ينظر للمصائب النازلة بالآخرين، فتهون عليه مصائبه، ويمتلئ قلبه بحمد الله، ويلهج لسانه بشكره.
19 ـ مشاهد ومشاهد:
إن هذه البراكين والزلازل تذكرنا بالزلزلة الكبرى، فبركان واحد أحدث ما أحدث من الفزع والكوارث، فكيف بزلزلة الأرض كلها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).
والغبار الذي حجب الشمس عن سماء هذه الدول يذكرنا بقوله تعالى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) أي: ذهب ضوءها.
وتناثر أجزاء البركان في الهواء يذكر بقوله: (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) أي: تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض.
وتعطل حركة الطيران والمطارات يذكرنا بقوله تعالى: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ)، والعشار: هي خيار الإبل والحوامل منها، وهي أنفس أموال العرب إذ ذاك، فنبه سبحانه بذلك على تعطل كل ما هو في معناه من كل نفيس من المال، حيث يأتي الناس ما يذهلهم عنها فيتعطل الانتفاع بها.
وعجز القارة الأوربية بعدتها وعتادها، وذهولها مما يحدث، وتساءل الجميع عما يحدث، يذكرنا بعجز الإنسان عند قيام الساعة، يوم يقف مشدوها مستعظما ما يرى (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ... ) أي: أي شيء عرض لها؟
وإن هذه الغيوم المتراكمة التي تملأ الأجواء على ارتفاعات هائلة ... تذكرنا بالدخان الذي يبعثه الله قبل قيام الساعة: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وختاماً ...
فإن مشاهدة ومعاينة آيات الله الكونية العظيمة المخيفة لتغني عن وعظ الواعظين وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، إنها لأكبر زاجر، وأبلغ واعظ، وأفصح ناصح .. وإن في مراحلِ العمُر، وتقلّبات الدّهر، وفجائع الزمان لعِبَرًا ومزدجرًا ومَوعِظة ومُدّكرًا، يحاسِب فيها الحصيف نفسَه، ويراجع مواقفَه، حتى لا يعيشَ في غَمرة ويؤخَذَ على غِرّة.
نسأل الله أن يلطف بإخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يجعل من هذه الآية عبرة يهدي بها أهل الضلال إلى صراطه المستقيم ودينه القويم. إنه سميع مجيب، لطيف خبير.
والحمد لله رب العالمين،،
المصدر: وصلتني بالبريد.
ـ[ايت عمران]ــــــــ[20 Apr 2010, 11:35 م]ـ
الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به.
لقد بلغ من طغيان التفكير المادي، وسيطرة الفكر الإلحادي على جل وسائل الإعلام أن أذهلا كثيرا من المسلمين عن التفسير الإيماني للحوادث، وعن الاعتبار بما ينزل بهم وبمن حولهم من كوارث، نسأل الله العفو والعافية.
جزى الله خيرا كاتب المقال وناشريه على هذا التذكير المؤثر، وتحية للمشرف الكريم.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[20 Apr 2010, 11:41 م]ـ
جزاك الله خيرا دكتور عبد الرحمن
وجزى الله الشيخ محمد صالح خيرا
إنه مثال للداعية الموفق الذي لا يدع الحدث يمر هكذا دون أن يستغله في مجال الدعوة إلى الله وهو مثال جدير بأن يحتذى، كثر الله من أمثاله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
¥