وفي الباب أيضا عن عثمان ابن أبي العاص عند الطبراني وابن أبي داود في المصاحف وفي إسناده انقطاع. وفي رواية الطبراني من لا يعرف وعن ثوبان أورده علي بن عبد العزيز في منتخب مسنده وفي إسناده حصيب بن جحدر وهو متروك. وروى الدارقطني في قصة إسلام عمر أن أخته قالت له قبل أن يسلم: إنه رجس ولا يمسه إلا المطهرون قال الحافظ: وفي إسناده مقال وفيه عن سلمان موقوفا أخرجه الدارقطني والحاكم وكتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول
قال ابن عبد البر: إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم كتابا أصح من هذا الكتاب فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم. وقال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز والزهري لهذا الكتاب بالصحة
والحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرا ولكن الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ومن ليس على بدنه نجاسة
ويدل لإطلاقه على الأول قول الله تعالى {إنما المشركون نجس} وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي هريرة (المؤمن لا ينجس) وعلى الثاني {وإن كنتم جنبا فاطهروا} وعلى الثالث قوله صلى الله عليه وآله وسلم في المسح على الخفين (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) وعلى الرابع الإجماع على أن الشيء الذي ليس عليه نجاسة حسية ولا حكمية يسمى طاهرا وقد ورد إطلاق ذلك في كثير فمن أجاز حمل المشترك على جميع معانيه حمله عليها هنا
والمسألة مدونة في الأصول وفيها مذاهب. والذي يترجح أن المشترك مجمل فيها فلا يعمل به حتى يبين وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز للمحدث حدث أكبر أن يمس المصحف وخالف في ذلك داود
(استدل المانعون للجنب) بقوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} وهو لا يتم إلا بعد جعل الضمير راجعا إلى القرآن والظاهر رجوعه إلى الكتاب وهو اللوح المحفوظ لأنه الأقرب والمطهرون الملائكة ولو سلم عدم الظهور فلا أقل من الاحتمال فيمتنع العمل بأحد الأمرين ويتوجه الرجوع إلى البراءة الأصلية ولو سلم رجوعه إلى القرآن على التعيين لكانت دلالته على المطلوب وهو منع الجنب من مسه غير مسلمة لأن المطهر من ليس بنجس والمؤمن ليس بنجس دائما لحديث (المؤمن لا ينجس) وهو متفق عليه فلا يصح حمل المطهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية بل يتعين حمله على من ليس بمشرك كما في قوله تعالى {إنما المشركون نجس} لهذا الحديث ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ولو سلم صدق اسم الطاهر على من ليس بمحدث حدثا أكبر أو أصغر فقد عرفت أن الراجح كون المشترك مجملا في معانيه فلا يعين حتى يبين. وقد دل الدليل ههنا أن المراد به غيره لحديث (المؤمن لا ينجس) ولو سلم عدم وجود دليل يمنع من إرادته لكان تعيينه لمحل النزاع ترجيحا بلا مرجح وتعيينه لجميعها استعمالا للمشترك في جميع معانيه وفيه الخلاف ولو سلم رجحان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه لما صح لوجود المانع وهو حديث (المؤمن لا ينجس).
واستدلوا أيضا بحديث الباب وأجيب بأنه غير صالح للاحتجاج لأنه من صحيفة غير مسموعة وفي رجال إسناده خلاف شديد ولو سلم صلاحيته للاحتجاج لعاد البحث السابق في لفظ طاهر وقد عرفته
قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير: إن إطلاق اسم النجس على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر لا يصح لا حقيقة ولا مجازا ولا لغة صرح بذلك في جواب سؤال ورد عليه فإن ثبت هذا فالمؤمن طاهر دائما فلا يتناوله الحديث سواء كان جنبا أو حائضا أو محدثا أو على بدنه نجاسة
(فإن قلت:) إذا تم ما تريد من حمل الطاهر على من ليس بمشرك فما جوابك فيما ثبت في المتفق عليه من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة) إلى قوله (مسلمون) مع كونهم جامعين بين نجاستي الشرك والاجتناب ووقوع اللمس منهم له معلوم. (قلت:) اجعله خاصا بمثل الآية والآيتين فإنه يجوز تمكين المشرك من مس ذلك المقدار لمصلحة كدعائه إلى الإسلام ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنه قد صار باختلاطه بغيره لا يحرم لمسه ككتب التفسير فلا تخصص به الآية والحديث. إذا تقرر لك هذا عرفت عدم انتهاض الدليل على منع من عدا المشرك وقد عرفت الخلاف في الجنب. وأما المحدث حدثا أصغر فذهب ابن عباس والشعبي والضحاك وزيد بن علي والمؤيد بالله والهادوية وقاضي القضاة وداود إلى أنه يجوز له مس المصحف
وقال القاسم وأكثر الفقهاء والإمام يحيى: لا يجوز واستدلوا بما سلف وقد سلف ما فيه.