تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الخميس 2 تشرين الأول 1975

رحت بعد صلاة العشاء يوم أمس مع الأخ محمود المشهداني، نبحث عن شقة لنسكنها مع الأخ ليث، بعد أن يسافر الأخ خليل إلى العراق، فإني أتوقع أن أجد نفسي في نهاية هذا الشهر مضطراً لأن أسكن مع أحد، ولما كان الأخ محمود قد حصل على إجازة دراسية للحصول على الماجستير في الأدب من كلية دار العلوم، وكذلك الأخ ليث سعود جاسم، الذي يدرس التاريخ الإسلامي للحصول على الماجستير من كلية دار العلوم، فإن من المناسب أن نسكن سوية، وقد وصل محمود إلى القاهرة قبل أيام، والتقينا قبل يومين، واتفقنا أن نبدأ البحث الجاد عن الشقة هذا اليوم الخميس، وخرجنا من الصباح، ولا نزال نقف أمام أبواب العمارات نسأل عن شقة للإيجار حتى جاوزت الشمس كبد السماء ومالت إلى الغروب، وكان الصوم مما يساعد على ظهور آثار التعب والعطش، عدنا إلى البيت بعد الظهر، وكنا قد بحثنا في المنطقة القريبة من الشقة التي نسكنها، ولكن بدا لنا بعد الظهر أن نذهب إلى المنيرة لنبحث عن شقة في المنطقة القريبة من الكلية، والواقع أني لست مضطراً للسكن في تلك المنطقة، بعد أن جمعت معظم المادة التي أحتاجها في كتابة البحث، لكن مصلحة ليث ومحمود تقتضي ذلك، ومن المناسب أن يكون محل السكن قريباً من الكلية، ادخاراً لأتعاب المواصلات. وبعد أن رأينا أكثر من شقة، وبعد أن بلغ منا الجهد والاشمئزاز من بعض ما رأينا في الشقق مبلغه، قفلنا راجعين إلى شقتنا في (160 ش 26 يوليو) لنتناول الفطور، وكنا نغالب شعاع الشمس قبل أن يختفي خلف الأفق حتى نصلي العصر، وركبنا في تكسي، وجرت بنا مسرعة، ونحن نحلم وتختلط الأحلام في الأذهان، قريبة وبعيدة، حزينة وجميلة، ووصلت السيارة حيث تستدير في الشارع الفرعي الذي يؤدي إلى الشقة، كانت هناك استدارة عكسية في وسط الشارع العام يتحول فيها (الترولي باص) إلى الاتجاه المعاكس، وفي أثناء ذلك كان (الترولي) يدور والسيارة التي نركبها تدور لتخرج إلى الشارع الفرعي، وفجأة تظهر من خلف الترولي سيارة ملاكي مسرعة جداً، ولا تبعد عن السيارة التي نركبها إلا بضعة أمتار، وشعرنا أنها مقبلة نحونا لا محالة، ولم يجد السائق ما يفعله، ربما خفف السرعة أو حاول الإسراع، لا أدري ما فعل، كانت لحظة حرجة سريعة مثيرة مخيفة، في تلك اللحظة، السيارة المقابلة تقترب من سيارتنا بكل السرعة، مع جلبة لا أدري إن كانت تخرج من داخل السيارة أم خارجها، كنا نجلس في المقعد الخلفي أنا على اليمين والأخ محمود على اليسار، ولم نجد من الفرصة للتفكير حتى نملك أنفسنا حين وقوع الصدمة، فقد فقدنا الإحساس والشعور بما حولنا، ومثل ما يستيقظ الإنسان من نوم عميق ويشعر ببقايا حلم بعد اليقظة، كذلك شعرت وأنا أفتح عيني من جديد بعد غيبوبة قصيرة، لأجد أن السيارتين قد وقفتا في منتصف الشارع وقد اقتربت إحداهما من الأخرى قليلا حتى تماستا، لا بل حتى دخلت إحداهما في الأخرى، ولا شك في أن ذلك قد أحدث صدمة عنيفة، لكني لم أحس بشيء أو صوت منها، وحين استيقظت بدأت أشعر أننا صُدِمْنَا، وبشعور غير إرادي رحت أتحسس أطرافي لأطمئن على سلامتها، وفجأة وجدت يدي اليسرى كأنها مشلولة، سترك يا رب! وأخذت أحرك أصابعها بيدي اليمنى حتى دبت فيها الحياة من جديدة، لكني ظللت أحس بثقل في ذراعي اليسرى وكتفي، ثم في تلك اللحظة التي تلت الحادث بثوان شعرت أن الفك الأيسر قد نالته ضربة قوية فقد كان في الحال ينبعث منه ألم شديد، وكان إحساسي بهذه الأمور غير واضح، وشعرت بيد تمتد نحوي، وسائل يسأل عن رغبتي في الذهاب إلى المستشفى، وأُنْزِلْتُ من السيارة ووقفت على قدميَّ، وكانت الأرض تدور في عيني، واستعنت بمنديل مبلل لإعادة بعض انتباهي، وجلست على الأرض، الأخ محمود كان يعاني من أحاسيس مشابهة، السائق هو الآخر قد أصيب في ذراعه، كان ذلك كله من التصادم الذي حدث بين السيارتين، فقد انخسفت الجهة اليمنى من السيارة التي نركبها انخسافاً شديداً، لكن من لطف الله بنا أن زجاج السيارة التي نركبها كان غير ظاهر، فانكسر في داخل الأبواب.

التخلي عن البحث عن شقة

الخميس 9 تشرين الأول 1975م = 4 شوال 1395هـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير