وفي القرآن أسرار خاصة، وهو غائي له عمومات يستنبط منها على قدر وسعه كما يليق بكل عصر من الأحكام.
وجعله الله رحمة تناسب العصور إلى قيام الساعة: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] ورحمة الله هي القرآن.
جاء في فضل حفظ القرآن قدر كبير من النصوص:
من كلام الله تعالى فمن ذلك قوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] فعُنِيَ بالصدور ما حفظ.
وفي السنة:"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله .. "والمقصود به المعاني.
فالقراءة إذا أطلقت هو بلفظ اللسان من غير نظر إلى مسطور، وإلا كان زائدا عن معنى القراءة وإن كان اللفظ ينصرف إليه.
ومن ذلك حديث:"يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".
جاء عن عائشة رضي الله عنها:أن مراتب الجنة أكثر من ستة آلاف درجة.
وفي قوله: " اقرأ وارتق "معلوم أنه لا يقصد به القراءة نظراً، وإنما هي قراءة من حفظه فقط.
جاء عن غير واحد من السلف:"من حفظ القرآن لا تمسه النار".
جاء عند أحمد عن عقبة بن عامر مرفوعا:"لو أن القرآن في إهاب فألقي في النار ما مسته النار".قال أحمد: إن هذا الأديم هو الإنسان الذي حفظ القرآن.
والقرآن حجة لك أوعليك.
جاء في مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:أول من تسعر بهم النار ثلاثة "ثم قال: " ورجل قرأ القرآن ... "الحديث " قال: كذبت إنما قرأت ليقال: قارئ ... "
ومن اهتدى بالقرآن واقتدى به رفعه الله.
عن عمر مرفوعا:"إن الله ليرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين".
وكلهم قد عرف القرآن: فبعضهم عمل به فرفعه، والآخر سمع هدايته فتنكبها.
في المسند من حديث الفزاري:"ما من أحد يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار كائناً من كان ... "
وهذا ينطبق على سائر الفروع والأحكام:
من سمع أن الله أنزل حكما في شيء ثم لم يستمع له، أو لم يتعلم هذا الحكم فإن الله يضعه بحسب هذا الإعراض.
ومما يدل به على منزلة الحافظ: ما جاء في الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله الكتاب فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ... "الحديث
يقوم به آناء الليل هي مظنة القراءة من غير أنوار، وهو الحفظ.
وجاء في بعض الآثار أن الله تعالى لا يردّ حافظ القرآن إلى أرذل العمر:
كما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن عمير: " من حفظ القرآن لا يرده الله إلى أرذل العمر". وجاء نحوه عن بعض السلف من الصحابة والتابعين. روي عن عكرمة وابن عباس كما رواه أبو عبيد وغيره.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً "
أي: أشد من تفلت القرآن من صدور العباد.
وهذا التفلت يشمل: تفلت المعاني وتفلت الحفظ، وينصرف آخراً إلى الحفظ. فالأصل المعاني.
فكما يسر الله {الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر/17و22و32و40] فكلّ ما تيسر الحصول عليه فإنه ينصرف عنه بيسر وسهولة.وهذا من مبدأ المقابلة.
والأثمان العظيمة والقيم الجليلة إذا ملكها الإنسان ولم يتشبث بها بحفظ فهي أسرع ذهابا من غيرها لنفاستها.
ولهذا لما جعل الله القرآن أغلى ما يملكه المسلم فهو أشد تفلتا من صدور العباد من الإبل في عقلها، فليحرص المسلم عليه بمزيد عناية وليعطه حقه.
الإبل المعقّلة أقرب إلى الانفلات من غيرها في حال ربطها؛ لأنها قوية سريعة الحركة فإن لم يتعاهدها صاحبها انفلتت.
فينبغي تعاهد القرآن بحفظ القرآن مفهومه ومعناه على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويغتنم ذلك ففي الأزمنة الفاضلة يعتني بالقراءة، كما ذكر عن الشافعي كما رواه ابن عساكر والبيهقي من طرق: أنه كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، أي: في كل يوم مرتين.
قال النووي: هو متعلق بفهم الإنسان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث".والله أعلم.
انتهى تقريره من الدرس بقلم عبد الحكيم القاسم،
وقد أذن الشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي بنشره
-فجزاه الله خير الجزاء -.
ـ[خالد عبدالغني شريف]ــــــــ[03 May 2010, 10:46 م]ـ
جزاكم الله خيرا