من الأمور التي كلّف المرزوقي نفسه الخوض فيها بلا فائدة ترجى منها ولا دليل يرشد إليها سوى الخيالات الذهنية: تلك الحسابات الخرافية ـ والتي لا حاجة للمسلمين بها ـ التي ألقاها فيما يتعلق بطول زمن خلق العالم في الأيام الست حسب تقسيمه وطول زمن اليوم السابع الذي يسميه يوم الأمر ويوم التكليف، فقد قال في (ج2/ص66) "مدة التكليف هي سبع مدة العالم، والأسباع الستة الباقية هي مدة خلق شروط بقاء الكائنات المكلفة شروط بقائها الطبيعية"
ثم قال في هامش تعليقي على هذا الكلام (ج2/ 171): "قد قسم القرآن أيام الخلق الستة إلى: يومين لخلق الأرضين، وأربعة لخلق الأرزاق، ويومين لخلق السموات، فيكون خلق الأرزاق قد حصل بين خلق الأرضين والسموات مع تراكب يكون فيه يومه الأول هو اليوم الثاني من خلق الأرضين، ويومه الأخير هو اليوم الأول من خلق السموات، حتى يكون المجموع ستة. ولما كانت بعض المخلوقات هي أرزاق بعضها الآخر مع الدور فإن خلق الأرزاق يعني خلق الكائنات التي تحيا في الأرضين والسماوات، ومعنى ذلك أن العلاقة بين الأرضين هي عينها شروط الحياة فيهما".
نعم، هكذا هي تخيلات المرزوقي وتعسفاته على الآيات القرآنية حتى تطابق تخميناته وتخيلاته، وهو يحاول جعل قوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) مطابقا لخيالاته.
بل لم يكتف بذلك، فقال في الهامش (88) في الجزء الأول ص 171: "مدة الكائنات المكلفة ومنها الإنسانية سُبع مدة العالم، وعندئذ يمكن القول: إن مدة العالم سبعة أضعاف الأرقام الفلكية التي حاولنا استخراجها للتمثيل، ولما كنا وجدنا أن نزول الأمر وعروجه حصلا في 693975000 سنة أرضية فإن عمر العالم ـ العالم الذي له صلة بالإنسان إذ توجد عوالم أخرى لا علم لنا بها لأن القرآن لم يتكلم عنها ـ هو هذا المقدار في 7، يساوي: 48572825000 أي حوالي خمسة مليارات سنة أرضية، علما بأننا نتكلم على عمره كله، وليس على [ما] فات منه قبل حصول التقدير المعلوم، أما إذا كان القصد سنوات أمرية فيكفي ضرب هذا العدد في 365250 فيصبح الأمر خياليا رغم كونه ليس مستبعدا، بل لعله هو الأصح".
نعم، هذا الكلام هو ما يسميه المرزوقي استراتيجية القرآن التوحيدية، ومنطق السياسة المحمدية.
ولا ندري ما حاجة الأمة إلى هذه الاستراتيجية التي ستضحك المسلمين عليها قبل غيرهم، ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى استراتيجية تجمع الأمة وتقلص الخلافات بينها بحيث تجتمع على أصول وقواعد الشريعة، ينبغ المرزوقي وأضرابه بكلام يشتت أذهان المسلمين ويعطلهم عن السير إلى سبب نهضتهم.
ومهما نقلت من الخرافات والخيالات التي تضمنها " الجلي في التفسير" فهو يسير بالنسبة لما في حقيقة هذا الكتاب المسمى زورا بمثل ذلك الاسم العظيم الدلالة.
أبمثل هذه الخرافات ستنهض الأمة؟؟ أم هل نحن في حاجة لشحن الكتب بتفسيرات للآيات القرآنية لا تستند إلى أي دليل من العقل ولا من النقل ولا من العلم الحديث؟؟ هل يكون وجود مثل هذه الترهات في بعض كتب التفسير القديمة مبررا لأن يعاد في هذا الزمان استحضارها؟؟؟
وأيضا فإن التناقضات العجيبة لا تنتهي في كلام المرزوقي، فهو من جهة يشن هجوما عنيفا ـ مبناه الجهل ـ على الإعجاز العلمي ويعتبر معطياته كلها خرافية أو ستصير حتما كذلك يوما، ثم يستعمل معطيات يستعملها نفس أهل الإعجاز العلمي ليقيس بها سنواته الأمرية والعروجية والخلقية وغير ذلك مما يدعيه.
وأيضا، فإن المرزوقي قد يعترف في طي كلامه بأن حساباته خرافية وخيالية، لكن سرعان ما ينقلب ويخترع تبريرات أكثر خرافية ليدعم بها دعاويه، فقد قال مثلا في ج1/ص 172 وتحديدا في الهامش رقم 90: تبدو هذه التقديرات وكأنها أمور خيالية ومستحيلة، لكن لا شيء يدعو لاستبعادها، فإذا أدركنا أن سرعة الأمر تساوي خمسين ضعفا سرعة الروح، فإنها كما نبين من سلم دونه سرعة الضوء بنسبة كبيرة جدا، فالأمر يقطع عالم الإنسان الذي يرمز إليه بالأرض بسرعة لا تساوي سرعة الضوء إلا كسرا يسيرا ضئيلا منها" الخ
نعم، هذا هو المرزوقي الذي يشن هجوما عنيفا على أصحاب الإعجاز العلمي، مع أن كثيرا من معطياتهم ثابتة علميا، ويأتي بمعطيات لا سبيل للبشر بعلمها بحال من الأحوال كسرعة الروح وسرعة الأمر، مع أنه لم يسبق له أن بين مقصوده بالروح وبالأمر، وما الميزان الذي اعتمده لقيس سرعة أمر الله تعالى وسرعة عروج الروح وغير ذلك مما يكاد يبكي الإنسان عند قراءته قائلا: ما هذا التكلف البارد؟؟ وما هذه الاستراتيجية المنحرفة للعبث بمعاني التنزيل؟؟
لقد وضع المرزوقي نفسه أمام مسائلة أهل العلم والاختصاص، لا سيما عندما خاض بمثل ما نقلت عنه في الكلام عن معاني الآيات القرآنية، وهو وإن اعتبر علماء الشريعة أناسا تقليديين وينبغي التخلي عن سلطتهم الروحية ونبذ جهودهم، لكن لن يعفيه ذلك من دفع نفس التهمة التي تقلب يسيرا عليه، فهاهو قد نصب نفسه قدوة وصاحب مشروع للنهض بالأمة، ومن ضرورة ذلك أن تكون له سلطة فكرية على من ينبهر بزخرف كلامه كما هو حاصل للبعض.