6 - وقال أبو عبد الرحمن السلمي، وهو أحد تلاميذ الصحابة: إنما أخذنا القرآن من قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن من العمل، قال: فتعلمنا العلم والعمل جميعاً ().
7 - وقال الحسن البصري: (والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن كله ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل) (). .
وقد أكد السلف والعلماء على أن يكون هذا هو حال حامل القرآن وتاليه بحيث يظهر أثر القرآن عليه خلقاً وعملاً ومن ذلك:
1 - قال ابن مسعود: (ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون، وبنهاره إذا الناس يفرطون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون مستكينا لينا، ولا ينبغي له أن يكون جافيا ولا مماريا ولا صياحاً ولا صخاباً ولا حديداً " ().
2 - عن الفضيل بن عياض قال: (حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن) ().
3 - قال الآجري في أخلاق حملة القرآن: " يتصفح القرآن ليؤدب به نفسه همته، متى أكون من المتقين؟، متى أكون من الخاشعين؟ متى أكون من الصابرين؟ متى أزهد في الدنيا؟ متى أنهى نفسي عن الهوى؟ " ().
فهذا يؤكد لنا أن القارئ للقرآن لابد أن يكون مستصحباً في تلاوته نية الامتثال والعمل وهذا هو التدبر.
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
ففي نهاية هذه الدراسة التي يسر الله تعالى إعدادها حول مفهوم التدبر في ضوء القرآن والسنة وأقوال السلف وأحوالهم، يمكن أن نخلص إلى أمور وتوصيات مهمة:
1 - أن التدبر مبني على ركنين أساسيين لابد للمتدبر منها:
الأول: الركن النظري بالوقوف مع الآيات والتأمل فيها.
الثاني: الركن العملي بالتفاعل مع الآيات وقصد الانتفاع والامتثال.
2 - أن الفرق بين التدبر وبين التفسير والاستنباط يتحدد بحسب غرض القارئ لكتاب الله تعالى؛ فالمفسر والمستنبط يكون غرضه الوصول إلى المعاني والدلالات، والمتدبر لابد أن يكون مع ذلك مستصحباً قصد الانتفاع والامتثال والعمل. فهذا الذي يميز التدبر عن التفسير، وهو الفرق الجوهري بينهما، ولذا فيمكن أن يسمى المفسر متدبراً إذا قصد الانتفاع والامتثال والعمل.
3 - أن التدبر واجب الأمة كلها لأنه المقصود من إنزال القرآن كما صرحت الآيات بذلك أمراً به وحثاً عليه، وأن التفسير هو واجب بحسب الحاجة إليه لفهم القرآن والعمل به، والناس فيهما مراتب بحسب رسوخ إيمانهم وعلمهم.
4 - أن منهج السلف الصالح في التدبر وإن كان مبنياً على الركنين جميعاً، لكنه يبرز في الجانب العملي، لأنهم كما قال ابن عمر: (ورزقوا العمل بالقرآن)، وهذا الذي تفقده الأمة اليوم كما قال في تمام كلامه: (وإن آخر هذه الأمة يرزقون القرآن منهم الصبي والأعمى، ولا يرزقون العمل به) ().
التوصيات:
للخروج بمنهج عملي لهذا الموضوع المهم يمكن أن نخلص إلى توصيات مهمة:
1 - أن أعظم ما يجب على أهل العلم بالقرآن والمهتمين به والمؤسسات القرآنية في هذا الوقت هو العودة بالأمة إلى منهج التدبر الأمثل الذي تمثله الجيل الأول من الصحابة والتابعين، وذلك بتوجيههم لأبناء الأمة وأجيالها لتلقي القرآن بقصد الانتفاع والامتثال والعمل مع قصد التلاوة والحفظ.
2 - إقامة لقاءات دورية تجمع النخبة من أهل العلم والتخصص والاهتمام بغرض دراسة الخطط والمناهج العملية للتدبر وسبل تفعيلها، ومن ثم نشرها بين المؤسسات والمدارس القرآنية والتعليمية.
3 - أن يتركز عمل هذا المشروع المبارك أعني مركز التدبر وبرامجه على تفعيل منهج التدبر العملي الذي تمثل في منهج السلف الصالح، وأن يسعى المركز لطرح البرامج والمناهج العملية التي تدعم مناهج المؤسسات والمدارس القرآنية القائمة على تحفيظ القرآن الكريم، ليكتمل البناء ويظهر الأثر العظيم للقرآن في الجيل المعاصر.
¥