تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال السعدي في تفسيره للآية: " {ومَا يَعْقِلُهَا} بفهمها وتدبرها، وتطبيقها على ما ضربت له، وعقلها في القلب {إِلا الْعَالِمُونَ} أي: أهل العلم الحقيقي، الذين وصل العلم إلى قلوبهم. وهذا مدح للأمثال التي يضربها، وحثٌّ على تدبرها وتعقلها، ومدح لمن يعقلها، وأنه عنوان على أنه من أهل العلم، فعلم أن من لم يعقلها ليس من العالمين. والسبب في ذلك، أن الأمثال التي يضربها اللّه في القرآن، إنما هي للأمور الكبار، والمطالب العالية، والمسائل الجليلة، فأهل العلم يعرفون أنها أهم من غيرها، لاعتناء اللّه بها، وحثه عباده على تعقلها وتدبرها، فيبذلون جهدهم في معرفتها" ().

2 - ماورد عن عمر أنه مكث في تعلم سورة البقرة اثنتي عشرة سنة، وابنه عبد الله مكث في تعلمها ثماني سنين (). .

3 - أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الله بن مسعود قال: إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك؛ فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه (). .

قال الغزالي: " إن سمع قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقصص الأولين علم أنها لم ترو للتسلية والسمر، وإنما للعظة والاعتبار، فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة في حق النبي ? وأمته، لذلك قال الله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود 120] " (). ..

وأما الامتثال فهو يشمل العمل والسلوك، وهو ثمرة الإيمان وعاقبة التدبر.

والقرآن بكونه مثاني مليء بالأساليب المحفزة للامتثال والعمل، ومنها أسلوب الأمر والنهي، وأسلوب الجزاء والعقاب، وأسلوب الوعد والوعيد، وأسلوب الترغيب والترهيب، وهذه الأساليب وغيرها دالة على أن القرآن أنزل للامتثال والعمل، وهذا يؤكد لنا أن التدبر لايكون إلا بالإقبال على القرآن بنية الامتثال والعمل.

وهذا هو منهج النبي ? والسلف الصالح، وغاية مرادهم من القرآن، ويشهد له:

1 - أخرج مسلم عن سعد بن هشام بن عامر قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت يا أم المؤمنين: أنبئيني عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قالت ألست تقرأ القرآن قلت بلى. قالت فإن خلق نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان خلقه القرآن. فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله ? فقالت ألست تقرأ {يا أيها المزمل} [المزمل:1] قلت: بلى. قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله ? وأصحابه حولا وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة (). .

ففي هذا الحديث دلالة على منهج النبي ? في التعامل مع القرآن وهو التخلق بأخلاقه، والعمل بأوامره، ولذا حين نزلت عليه سورة المزمل عرف ? حقيقة الأمر وقدّره، فقال لخديجة رضي الله عنها وهي تدعوه أن يطمئن وينام: «مضى عهد النوم يا خديجة».

2 - ويشهد لذلك أيضاً ما أخبرت به عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عن خلق رسول الله ?، فقالت:"كان خلقه القرآن، يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه" (). يصدق ذلك القرآن بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

3 - وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال له رجل هىَّ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه ? (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وإن هذا من الجاهلين. يقول ابن عباس: والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله) ().

4 - وماروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كان الرجل منّا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن) ().

5 - وقال ابن عمر: (كان الفاضل من أصحاب النبي ? في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها، ورزقوا العمل بالقرآن، وإن آخر هذه الأمة يرزقون القرآن منهم الصبي والأعمى، ولا يرزقون العمل به) ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير