ـ[المفاز]ــــــــ[02 Jul 2010, 04:21 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ سأطرح لك أختي الفاضلة خطوات تعين على التدبر بحول الله:
الخطوة الأولى: وقفة مع وصف القرآن والحكمة من إنزاله:
نبدأ أولاً بوصف القرآن:
يقول الله-سبحانه وتعالى-: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} [ص:29]
- وصف الله-سبحانه-القرآن بأنه مبارك؛ والبركة في لغة العرب لها أصلان:
أ) النماء والزيادة؛ ومنه يقال: هذا مالٌ مبارك؛ أي وقعت فيه البركة والخير.
ب) الدوام والثبوت؛ ومنه سميت البِركة؛ لدوام مائها.
ووجه وصف القرآن بذلك كالتالي:
* من جهة النماء والزيادة؛ فمن جهتين:
1. من جهة الأجور؛ عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ-رضي الله عنه-قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) [الترمذي/فضائل القرآن/مَا جَاءَ فِيمَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ الْقُرْآنِ مَالَهُ مِنْ الأَجْرِ]، وكما هو معلوم أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن من جهة الأجر.
2. من جهة الفهوم؛ فلو دخلت المكتبة الإسلامية تجد كتب التفسير متفاوتة من جهة أسلوب الكتابة، واتجاه المفسرين، والمواضيع المختارة وكلهم يفسر كتابًا واحدًا؛ فهذا دليل على أن الله فتح على كل واحدٍ منهم من باب مختلف عن نظيره بما ينفع هذه الأمة.
* أما من ناحية الدوام والثبوت فلأن الله تكفل بحفظه؛ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فحفظ:
- ألفاظه من الزيادة والنقصان والتغيير والتبديل؛ بأن حفظه ابتداء في صدر نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم-ثم في صدور أمته من بعده إلى أن يرفع من الأرض.
- معانيه؛ بأن سخر من أهل العلم من يبيّنه للناس؛ قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187].
أما من ناحية الحكمة من إنزاله فكما ورد في الآية؛ أمران: التدبر، والتذكر.
وأصل التدبر من الدبر وهو آخر الشيء ومنتهاه؛ يقال: فلان حسن التدبير أي ينظر في عواقب الأمور وما تؤول إليه؛ وهذا ما ذكره شيخنا السعدي-رحمه الله-في تفسير آية سورة ص فقال:
{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود. اهـ
وقال العلامة ابن القيم-رحمه الله-: (تدبر القرآن هو تحديق ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر على تدبره وتعقله وهو المقصود بإنزاله لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر).
إذن هذه الحكمة الأولى وهو الفهم لمراد الله من خطابه وذلك بعاملين: قلب، وفكر وهذا هو الوارد في قوله تعالى في سورة ق: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:
أي: قلب عظيم حي، ذكي، زكي، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله، تذكر بها، وانتفع، فارتفع وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله، واستمعها، استماعًا يسترشد به، وقلبه {شَهِيدٌ} أي: حاضر، فهذا له أيضا ذكرى وموعظة، وشفاء وهدى. اهـ
أما الحكمة الأخرى الواردة هنا فهي التذكر؛ وهو مأخوذ من الذكر الذي هو ضد النسيان؛ قال صاحب اللسان: الذِّكْرُ الحِفْظُ للشيء تَذْكُرُه. اهـ. وغالبا التذكر يحصل لوجود أثر عن معلوم؛ وهذه تكون بعد الفهم؛ فأنت بعدما تفهم القرآن بمجرد النظر فيه يحدث فيك ذكرى وهذه الذكرى قد تقع على القلب؛ فتبعث على الخشية والإنابة وزيادة المحبة وغير ذلك من أعمال القلب، أو على جارحتك؛ سواء كان لسانك بذكر الله أو على غير اللسان من الازدياد من الطاعات.
إذن الحكمة من إنزال القرآن:
- التدبر؛ وهو الفهم.
- والتذكر؛ وهو أثر الفهم.
ولا يكونان إلا بالتفسير؛ الذي هو فهم معنى وإدراك مرمى.
وهذا هو فعل سلف الأمة؛ قال ابن مسعود-رضي الله عنه-: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن).
من يدرك ذلك؟
كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:
أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب. اهـ
هذه هي الخطوة الأولى ولنا بحول الله لقاء آخر فيه الخطوة الثانية
ملاحظة: تطرح هذه المقدمة بما يناسب المخاطب، والله ولي التوفيق
¥