تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مع هذا كله كان الرجل يتقي الله في الفتوى تقوىً عظيما بل في أخريات حياته كان يتحرج من الفتوى وكان يقول: إن السؤال نوع من البلاء والعاقل يكون من البلاء في عافية. رُزق الرجل مع هذا العلم تقوى من الله عجيبة كان يقول قدمت من بلادنا بكنز لا أريد افقده أو أن أضيعه وهو القناعة ولذلك لم يُقدم يوما طلباً في زيادة مرتبة ولا في رفع درجته ولم يسأل يوما أحدا مالا وما أعطي من مال من غير سؤال أخذه وقبله ثم يوزعه ومات ولم يورّث شيئا.

والعظيم من يستشعر الأمر قبل أن يقوله للناس جلس مرة والله في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يُريد أن يفسر قول الله (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِيالأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) وكان من طريقته إن هناك تالي للقرآن يتلو القرآن ثم الشيخ يفسر فردد الشيخ الآية (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) وأخذ يبكي حتى أذن المؤذن لصلاة العشاء لم يفسر آية واحدة.

إن من أعظم ما يرزقه العالم القناعة أو العلم التام بما يقول لكن إذا كان الرجل يتكلم من لسانه حتى ولو انتفع به الناس لا ينتفع هو بأجر علمه فقد يكون هناك لبيب خاشع خاضع في المجلس ينفعه الله جل وعلا بما قلت لكن أيُ كرامة هذه عند الله ضائعة إذا كنت ينتفع الناس بما تعلم ولا تنتفع أنت به بين يدي ربك.

والله جل وعلا لما أراد من أنبيائه العظام أن يقولوا شيئا على علم به حقا قال في حق إبراهيم (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).ولما أراد أن يتم نعمته على نبينا صلى الله عليه وسلم عَرج به إلى سدرة المنتهى فرأى صلى الله عليه وسلم الجنة والنار حقاً حتى إذا حدّث عن الجنة وعن النار أصبح صلى الله علية وسلم يُحدث عن علم صلوات الله وسلامه عليه. ليس العلم أن يأتي المحاضر أو الخطيب أو الداعية أو الموفق إلى كلمات يقرأها يحضرها قبل المحاضرة ثم يقولها للناس، العلم الحق أن يستشعر بها في نفسه وأن يعمل بها بينه وبين الله حتى إذا قالها للناس خرجت من قلبه قبل لسانه فالإمام أحمد رحمه الله لما كتب المسند مر على حديث أن النبي احتجم وأعطى الحجام كذا درهم فذهب واحتجم وأعطى الحجام مثل ما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ثم كتبه في مسنده رحمة الله تعالى عليه رحمة واسعة

معشر القراء يا ملح البلد ... من يصلح الناس إذا الملح فسد

والله جل وعلا يقول ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا)) ثم قال جل وعلا يضرب مثلا لعالم السوء الذي عنده علم ولم يعمل به قال الله ((فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث)) قال بعض أهل العلم والعلم عند الله في بيان هذا أن الله جل وعلا لما أهبط آدم إلى الأرض أمر إبليس نزغ في السباع أن تؤذي آدم فكان الكلب يومئذٍ سبعا كاسرا فجاء جبريل وأوصى آدم أن يمسح على رأس الكلب حتى يتقي شره فمسح آدم على رأس الكلب فمات قلبه أي مات قلب الكلب فخرجت منهُ السبعية التي أوجدها الله فيه ولهذا الكلب الآن إذا غلبت عليه مسحة آدم يحرسك وإذا غلبت عليه نزغات الشيطان يفترسك فيقع منه النفع ويقع منه الأذى ولا يوجد هذا إلا في الكلب.أما الحيوانات بعضها أليف وبعضها سبع فوارس كاسرة مؤذية إلا الكلب يجمع مابين كونه سبعي ومابين كونه أليف ولهذا أباح الله جل وعلا صيده فهو ميت القلب لا يركن إلى طبع فجعل الله جل وعلا عياذاً بالله عالم السوء كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

وهذا العلم الذي يحفظه العلماء في صدورهم إما أن يكون لهم بين يدي الله حجه لهم يؤجرون على ما قالوه أو أن يكون عياذا بالله حُجه عليهم وقد قال الله جل وعلا ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)) [الزمر: 9] لكن الناس يقرؤون هذه الآية من آخرها ويعلقونها في الفصول والمدارس والكليات والسيارات ولا تُقرأ هكذا إنما يقرأ أولها وهذه الآية جاءت تذييل ولم تأتي تأسيس فمن الذين يعلمون الذين قال الله إنهم لا يستوون مع الذين لا يعلمون ليس الذين يحفظون المتون ويتكلمون ارتجالا أو ما أشبه ذلك قد يكونون منهم لكن العالم الحق من وقف يبن يدي الله عز وجلا في ظلمات السحر يسأل ربه ويرجوه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير