تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"ولذلك جاء في تفسير الطبري وغيره: أن عمر بن الخطاب قرأ قول الله تعالى: (ثُمَّ شَقَقنَا الأرضَ شَقًّا. فَأَنبَتنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضبًا. وَزَيتُونًا وَنَخلاً. وَحَدَائِقَ غُلبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس:26 - 31]، فقال: "قد عرفنا الفاكهة، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه وقال: "والله إن هذا لهو التكَلُّف ياعمر! ".

فما كان يعرف الأبّ، أي نوع من أنواع النباتات هو؟." أهـ

قال ابن كثير:

وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض، لقوله: (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا).

قال صاحب التحرير والتنوير:

والذي يظهر لي في انتفاء علم الصديق والفاروق بمدلول الأبّ وهما من خُلّص العرببِ لأحد سببين: .......

وإما لأن كلمة الأبّ تطلق على أشياء كثيرة منها النبت الذي ترعاه الأنعام، ومنها التبن، ومنها يابس الفاكهة، فكان إمساك أبي بكر وعمر عن بيان معناه لعدم الجزم بما أراد الله منه على التعيين، وهل الأبّ مما يرجع إلى قوله: {متاعاً لكم} أو إلى قوله: {ولأنعامكم} في جمْع ما قُسِّم قبله .... " أهـ

وهذا كلام وجيه جدا في وجهة نظري.

وورد في تفسير السعدي:

والأب: ما تأكله البهائم والأنعام، ولهذا قال: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ} التي خلقها الله وسخرها لكم." أهـ

ولا يوجد خلاف بين الصحابة في معنى الأب؟

فهل فهم ما قصدت؟ أين يظهر اختلافهم في فهم اللغة من خلال هذا المثال؟

أما النقطة الثانية:

قال الدكتور سلمان العودة:

" وهذا عدي بن حاتم رضي الله عنه لمَّا سمع قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجرِ) [البقرة:187]، فهم أن الخيط هو الحبل المعروف، فلمَّا نام وضع تحت وسادته حبلين: أحدهما أبيض والآخر أسود، فلما قام لكي يتسحر وضع الخيطين بجواره، وصار يأكل وينظر حتى أسفر، وصار يعرف الأبيض من الأسود.

فلمَّا أصبح غدا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره بالخبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار"-الخيط الأبيض هو النهار والخيط الأسود هو الليل-، فإذا بان لك النهار -يعني طلع الصبح- فأمسِك.

فهذا من اختلافهم في فهم مراد الله تعالى؛ لأن اللغة العربية تحتمل أن يكون الخيط هو الحبل، ويحتمل أن يكون المقصود هو الليل والنهار" أهـ

قال ابن كثير:

أن يتبين ضياءُ الصباح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللبس بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا أبو غَسَّان محمد بن مُطَرِّف، حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: أنزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ} ولم يُنزلْ {مِنَ الْفَجْرِ} وكان رجال إذا أرادوا الصوم، رَبَطَ أحدُهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا أنما يعني: الليل والنهار

(رواه البخاري) " أهـ

وواضح من خلال هذا الكلام أن اللبس لم يكن بسبب اختلافهم في فهم اللغة؟

ـ[أم الأشبال]ــــــــ[24 May 2010, 08:51 ص]ـ

ثالثًا: ما يخص اختلافهم في معرفة التواريخ والأحداث والأخبار والعلوم الأخرى التي يستفاد منها في فهم القرآن الكريم:

قال الدكتور سلمان العودة:

"وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى نصارى نجران يدعوهم إلى الإسلام ويعلِّمهم، فكان من ضمن ما قرأ عليهم المغيرة بن شعبة سورة مريم: (يَا أُختَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرَأَ سَوءٍ وَمَا كَانَت أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم:28]، فقال النصارى: "يا مغيرة، كيف يقول: يا أخت هارون، ومريم بينها وبين هارون قرون متطاولة؟! ".

فتحيَّر المغيرة رضي الله عنه ولم يستطع أن يجيبهم، فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم وسأله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم"، فحلَّ له الإشكال، وبيَّن له أن هارون المذكور في الآية ليس هارون أخا موسى؛ بل هارون آخر سموه عليه؛ لأنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء؛ ولذلك يكثر ... " أهـ

وهنا الحديث المرفوع الذي ورد في الصحيح حسم الأمر كما أشار ابن جرير الطبري، ولكن الصحابة لم يكونوا على معرفة بكتب أهل الكتاب وما حصل معهم،إلا ما كان من الصحابة الذين دخلوا الإسلام وهم أصلا كانوا من أهل الكتاب، فالخلاف ليس تاريخي، بل ما حدث مقارنة بين ما ورد في كتاب اليهود وبين القرآن الكريم.

وما دل على هذا المعنى ما حصل بين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكعب الأحبار، وقد رواه ابن جرير الطبري، ونقله ابن كثير في تفسيره، ونصه:

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي صدقة، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن كعبا قال: إن قوله (يَاأُخْتَ هَارُونَ) ليس بهارون أخي موسى، قال: فقالت له عائشة: كذبت، قال: يا أمّ المؤمنين، إن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر، وإلا فإني أجد بينهما ستّ مئة سنة، قال: فسكتت." أهـ

ورد عائشة أم المؤمنين يذكرنا بما ورد في الأثر فيما يخص أهل الكتاب:

فقد روى البخاري بإسناده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

" كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ الْآيَةَ "

هذا والله أعلم وأحكم، فإن كان صوابا ما قلت فبفضل الله تعالى، وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير