أما الاقتصاد الإسلامي فإن مفهومه يقوم على المواءمة بين دور الفرد والجماعة في استغلال الموارد الطبيعية والمحافظة على الملكية الفردية والملكية العامة في آنٍ واحد؛ ليتسنَّى تحقيق حد الكفاية لأفراد المجتمع كافة.
ومن خلال طرح مفهوم الاقتصاد في النظام الوضعي وفي النظام الإسلامي يتسنَّى لنا بالموازنة بينهما الكشف عن شرف الاقتصاد الإسلامي وسمو أهدافه؛ إذ إنه يهدف إلى توفير حد الكفاية لجميع أفراد المجتمع فرداً فرداً، بخلاف الاقتصاد الوضعي الذي يهدف إلى توفير الحاجيات الإشباعية، والتي قد تصل إلى حد الإسراف والبذخ، ولكن لبعض أفراد المجتمع وليس لكلهم كما سيتضح ذلك ويتجلى أكثر فيما هو آتٍ.
ثانياً: من حيث سمات كل منهما:
من سِمَات الاقتصاد الإسلامي مقارنة بالاقتصاد الوضعي:
الاقتصاد الإسلامي:
1 - رباني المصدر وينظر إليه على أنه وسيلة لا غاية.
2 - الرقابة فيه ظاهرة وباطنة فقانون الإسلام الظاهر لا يحمي أي ظالم متجاوز لحق الله والمجتمع في المال ويبقى خوف المؤمن من الله لائماً لصاحبه إن هو فرَّط في هذا ولم ينله قانون الظاهر.
3 - الأخلاق والآداب الإسلامية تحفه بجناحيها فالمسلم مقيد بأن يكون نشاطه غير مناف لآداب الإسلام وقواعده ومن ثم حرم الاحتكار والربا وغيرهما.
الاقتصاد الوضعي:
1 - بشري المصدر وينظر إليه على أنه غاية تبرر له كل وسيلة.
2 - القانون فيه وضعي وهو بهذا لا يخلو من ثغرات تساعد على التهرب من عقابه.
3 - لا يوجد قيود أخلاقية ولا حرام في الاقتصاد الوضعي بل المصلحة المادية هي الأساس والنفعية هي الأصل تحت شعار «دعه يعمل دعه يسير».
ثالثاً: من حيث الوسائل:
وسائل الرأسمالية في تصوير المشكلة الاقتصادية وحلها:
ذكرنا فيما مضى أن أسَّ المشكلة الاقتصادية في النظام الاقتصادي الحديث «الرأسمالية» هو ما يعرف عندهم بـ «الندرة النسيبة»، وهي نظرية تشاؤمية يعتقد من خلالها الاقتصاد الوضعي أن الموارد التي تنتجها الأرض غير كافية للسكان ولذا يعيشون في همٍّ دائم؛ كيف يتغلبون على هذه المشكلة، ولذا يكادون يجمعون على أن الحل الوحيد هو العمل على عدم الزيادة السكانية بما يبثونه في دول العالم الثالث من ضرورة تحديد النسل، وعدم دعم الفقراء بالمعونة، بل يترك الفقير ليموت بفقره أو لتنهكه الأوبئة؛ وهذا من العوامل السلبية في علاج المشكلة في نظر الرأسمالية.
وهناك عامل إيجابي – أي: يقوم على الفعل وليس على السلب - يعتمد على بث الفتن والتشجيع على الحروب، التي تأكل من الكيان البشري الكثير والكثير. ولعل هذا يوقفنا إلى حدٍّ كبير على سبب رئيس لتشجيع الدول الرأسمالية الحروب ما دامت بعيدة عنها وخاصة إذا كان طرفاها من الدول الإسلامية، أو على الأقل طرف منها من الدول الإسلامية؛ ليتم التخلص من كثير منهم بالقتل بأسلحة الدمار الشامل التي تُقذَف عن بُعْد جواً وبراً وبحراً، وهي من صنع الرأسمالية المتربحة دائماً.
واستهداف الدول الإسلامية بالذات له أسباب عديدة، من أهمها فيما يتصل بموضوعنا: أن الإسلام دعا إلى كثرة النسل وقد جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مظهر مباهاته بأمته يوم القيامة، وتعد نظرية (مالتس) في السكان من أهم النظريات التي يعتمدها علم الاقتصاد الحديث؛ إذ يُعَدُّ (مالتس) أهمَّ من صاغ نظرية الندرة النسبية وركز عليها ولذا يُدعَى «أبا الرأسمالية»، ومضمون ما ذكره (مالتس) أن السكان يزدادون بمتواليات هندسية بينما الموارد تزداد بمتواليات عددية أو حسابية.
أما الاقتصاد الإسلامي فإنه لا يعتبر هذه المشكلة؛ لأن من مقتضيات الإيمان الثقة بأن الله - تعالى - قد أودع الأرض أرزاق أهلها.
رابعاً: من حيث الهدف والغاية:
النماء الاقتصادي في النظام الوضعي يعمد إلى تحقيق زيادة في الناتج القومي تحقق زيادة في متوسط دخل الفرد وذلك باستخدام الموارد الاقتصادية المتاحة واستغلالها أفضل استغلال.
وقد سبق أن ذكرنا أن المشكلة الأساسية التي تواجه هذا النظام هو القضاء على ما يُعرَف بالندرة النسبية للموارد.
وهذا حَسَنٌ على المستوى النظري، أما على المستوى التطبيقي فإن الوصول إلى هذه الغاية يحتاج إلى تجاوزات في الوسائل المحققة لهذا الغرض وهو ما سيأتي في المواجهة بين الوسائل.
¥